الميقاز ثريد يوم البؤس
الخبز الكارم لليوم الاسود
في ذكرى المطرودين من الأندلس
تامبصلة / سوس
العمية 😎/ الشاوية
ميقاز / الاندلس /الشمال/الوسط
التراث الغذائي المغربي المنسي و المنقرض ، و قصة النعمان بن المنذر
يوم الميكاز ، هو يوم خاص في المغرب و الأندلس يخصص في الغالب ليوم حزن و ياس و تخصصه السيدات لتخميل و تنظيف البيوت و حيث أن النساء يكن مشغولات بغسل الأواني و تصبين الثياب و بترتيب المنازل فلا وقت لديهن لطهي الغذاء و تحضير المائدة فيعمدن الى تحضير الميقاز الذي هو عبارة عن ثريد يصنع من الخبز الباءت و اليابس المقطع أطرافا و الذي يبلل بمرق و بصل أو بساءل مع قليل من طماطم كطعام فقير لا يحتوي على دهن و بدون لحم كما أن هذه الوجبة السهلة و الفقيرة تلجأ إليها بعض العائلات المعدمة و الفقيرة في أيام الشدة و الفقر و الجوع و في أيام النكبات و البلاء و العدم . و مثل الخبز اليابس ( اي الكارم ) دورا كبيرا في إنقاذ الناس من المجاعة قديما أثناء حصار المدن و لدفعها للاستسلام فيتم تجويع سكانها كما حصل في الأندلس زمن طرد الموريسكيين بعد حصارهم و تجويعهم للدفع بهم للهروب و اليأس على أيدي جنود ايزابيلا و فرديناند .
و صار الخبز اليابس كالقرش الأبيض في اليوم الأسود يربط في المغرب بيوم الزلط .
يوجد وصف للخبز اليابس في الشعر العربي و اخترت قصيدة للشاعر الحكيم الزاهد ابي العتاهية التي تصف الخبز اليابس و الحياة و الموت .
رغيف خبز يابس - من قصائد أبي العتاهية في الزهد
رَغيفُ خُبزٍ يَابِسٍ
تَأكُلُهُ فِي زَاوِيَهْ
وَكُوزُ مَاءٍ بَارِدٍ
تَشْرَبُهُ مِنْ صَافِيَهْ
وَغُرفَةٌ ضَيِّقَةٌ
نَفْسُكَ فِيهَا خَالِيَهْ
أَوْ مَسجِدٌ بِمَعزِلٍ
عَنِ الوَرَى فِي نَاحِيَهْ
تَقرَأُ فِيهِ مُصحَفاً
مُستَنِداً لُِسَارِيَهْ
مُعتَبِراً بِمَنْ مَضَى
مِنَ القُرُونِ الخَالِيَهْ
خَيْرٌ مِنَ السَّاعَاتِ فِي
فَيْءِ القُصُورِ العَالِيَهْ
تَعقُبُهَا عُقُوبَةٌ
تَصْلَى بِنَارٍ حَامِيَهْ
فَهَذِهِ وَصِيَّتِي
مُخْبِرَةٌ بِحَالِيَهْ
طُوبَى لِـمَنْ يَسمَعُهَا
تِلكَ لَعَمْرِي كَافِيَهْ
فَاسْمَعْ لِنُصْحِ مُشْفِقٍ
أما حكاية يوم البؤس و يوم النعيم فهي مختلفة عن ذلك بكثير و لروعتها و جماليتها ارتأت أن أشارك القراء الاستمتاع بها .
يوم البؤس و يوم النعيم / حكاية النعمان بن المندر
النعمان بن منذر ويوماَ بؤسه ونعيمه!!
كان النعمان بن المنذر له يومين يومَ بُؤسٍ من صادفه فيه قتله!! ، ويومَ نعيمٍ من لَقِيَه فيه أحسن إليه!! وهذا من عجيب أمره ، فذات يوم خرج النعمان للصيد على فرسه ، وقد انفرد عن أصحابه فأخدته السماء ( أي أصبحت ليلاً ) ، وحال ذالك بينه وبين العودة إلى رفاقه ، فطلب ملجأً يلجأ إليه ، فوجد بناءً فإذا فيه رجل من طيئ يقال له حنظلة ومعه امرأةٌ له ، فقال لهما : هل من مأوى ؟!! فقال الرجل : نعم ، فخرج إليه فأنزله ولم يكن للطائي غير شاة ، وهو لا يعرف النعمان ، فقال لامرأته : أرى رجلاً ذا هيئة ، وما أحراه أن يكون سيداً شريفا ، فما الحيلة ؟!! قالت : عندي شيء من طحين كنت ادخرته ، فاذبح الشاة لأتخذ من الطحين مَلّة ، فأخرجت المرأة الدقيق فخبزت منه مَلّة ، وقام الطائي إلى شاته فاحتلبها ثم ذبحها ، وأطعمه من لحمها ، وسقاه من لبنها ، وجعل يحدثه بقية ليلته ، فلما أصبح النعمان لبس ثيابه وركب فرسه ثم قال : يا أخا طيئ أطلب ثوابك ، أنا الملك النعمان ، فقال حنظلة : أفعل إن شاء الله . ثم لحق النعمان بالخيل ومضى نحو الحيرة ، ومكث الطائي بعد ذالك زماناً حتى رماه حادث دهره بالفقر وساءت حاله ، فقالت له امرأته : لو أتيت الملك لأحسن إليك . فأقبل حتى انتهى إلى الحيرة فوافق يوم بؤس النعمان!! فإذا هو واقفٌ في خيله في السلاح ، فلما نظر إليه النعمان عرفه وساءه مكانه فقال له : أفلا جئت في غير هذا اليوم ؟!! قال : أبيتُ اللعن ، ما كان علمي بهذا اليوم!! فقال النعمان : والله لو خرج ابني في هذا اليوم لم أجد بُدّاً من قتله ، فاطلب حاجتك من الدنيا ، وسل ما بدا لك فإنك مقتول ، قال الطائي : وما أصنع بالدنيا بعد نفسي ؟!! فقال النعمان : إنه لا سبيل إليها . فلما علم الطائي أنه مقتول ، قال : حيّا الله الملك إنَّ لي صبيةً صغار وأهلاً جِياع وقد أقدمني سوء الحظ على الملك في هذا اليوم العبوس ، وقد قربت من مقر الصبية و الأهل ، ولن يتفاوت الحال في قتلي بين أول النهار وآخره ، فإن رأى الملك أن يأذن لي في أن أوصل إليهم هذا القوت وأوصي بهم أهل المروءة من الحي لئلا يهلكوا ضياعاً ثم أعود إلى الملك وأُسلم نفسي لنفاذ أمره ، فلما سمع النعمان مقاله ورأى تلهُفه على ضياع أطفاله رقّ لهُ غير أنه قال له : لا آذن لك حتى يضمنك رجلٌ معنا فإن لم ترجع قتلناه ، وكان شريك بن عدي بن شرحبيل نديم النعمان معه فالتفت الطائي إلى شريك وقال له :
يا شريك بن عدي .. ما من الموتِ انهزام
مَنْ لأطفالٍ ضِعافٍ .. عدمُوا طعمَ الطعام
بين رجوعٍ وانـتظارٍ .. وافتقارًا وسقام
يا أخا كلّ كريـمٍ .. أنت من قومٍ كِرام
يا أخا النعمان جد لي .. بــضمانٍ والتزام
ولكَ الله بأنّي .. راجع ٌ قبل الظلام
فقال شريك بن عدي : أصلح الله الملك ، عليَّ ضمانه فمرَّ الطائي مسرعاً وصار النعمان يقول لشريك : إن صدر النهار قد ولىّ ولم يرجع ، وشريك يقول : ليس للملك عليَّ سبيل حتى يأتي المساء ، وكان النعمان يشتهي أن يقتل شريكاً ليُفلتَ الطائي من القتل ، فلمّا قرب المساء قال النعمان لشريك : قد جاءَ وقتك قم تأهب للقتل. فقال شريك : هذا شخصٌ قد لاح مقبلاً وأرجو أن يكونَ الطائي فإن لم يكن فأمرُ الملك مُمتثل ، فبينما هم كذلك وإذ بالطائي قد اشتدَّ عدوُه في سيرهِ مسرعاً حتى وصل ، فقال : خشيتُ أن ينقضي النهارُ قبل وصولي ثم وقف قائماً وقال : أيُّها الملك مُر بأمرك ، فقال له النعمان : ما حملك على الرجوع بعد إفلاتك من القتل ؟!! قال : الوفاء . فأطرقَ النعمان ثم رفع رأسه وقال : والله ما رأيتُ أعجبَ منكما أما أنتَ يا طائي فما تركتَ لأحدٍ في الوفاءِ مقاماً يقومُ فيه ولا ذِكراً يفتخرُ به ، وأمَّا أنتَ يا شُريك فما تركتَ لكريمٍ سماحةً يُذكر بها الكرماءُ ، والله ما أدري أيهما أوفى وأكرام أهذا الذي نجى من القتل فعاد أم هذا الذي ضمنه ، والله لا أكون أَلْأَم الثلاثة ، وإنِّي قد رفعتُ يومَ بُؤسي عن الناس ونقضتُ عادتي كرامةً لوفاء الطائي وكرمُ شريك . وأحسن النعمان إلى الطائي ووصله بما أغناه ، وأعاده مكرماً إلى أهله .
- - -
النعمان بن المنذر بن المنذر بن امرئ القيس اللخمي ، الملقب بأبي قابوس ، تسلم مقاليد الحكم بعد أبيه وهو من أشهر ملوك المناذرة قبل الإسلام. كان داهية مقداما. وهو ممدوح. وهو باني مدينة النعمانية على ضفة دجلة اليمنى ، وصاحب يوم البؤس والنعيم ؛ وقاتل عبيد بن الأبرص الشاعر ، في يوم بؤسه ؛ وقاتل عدي بن زيد وغازي قرقيسيا وفي صحاح الجوهري : قال أبو عبيدة : " إن العرب كانت تسمى ملوك الحيرة - أي كل من ملكها - ( النعمان ) لأنه كان آخرهم ".
الهواري الحسين Hossin Houari