إعادة تشكيل الفضاء الهندسي للمطبخ المغربي في المجال الحضري قديما ، مقاربة ومقارنة للمواصفات المتداولة في بعض المراجع ، المطبخ كفضاء في المدن العتيقة و خاصة عند الطبقات الوسطى .
من المعروف أن النماذج تختلف بين المدن و القرى و بين البوادي و الحضر و بين القصور و المداشر فلكل طبقة من الطبقات شكل و نمودج خاص بها فكما أن المجتمع مركب من عناصر تختلف مستويات عيشها وأنماطها فهي أحيانا تتباعد وأحيانا تتقارب و من خلال أنماط عيشها يمكننا التعرف عليها . إن تنظيم المجال في المطبخ المغربي هو مدخل بدوره لمعرفة الطبخ المغربي و تاريخ تطوره واء في المدن او القرى او في اي مكان لان هذا التنظيم يخضع له سكان المدن وسكان البوادي على حد سواء فالكل في المدن و البوادي و الأرياف وسواء كانوا رحل او كانوا مستقرين يخضعون لأنماط معينة و قد تختلف لكنها في الأخير اعطتنا نتيجة واحدة هي الطبخ المغربي ، و هذه جزء من دراسة عامة و جذرية عن مجال الفضائي لسكان المدن و تسليمها أخرى عن سكان القرى لأن هؤلاء يختلفون بدورهم عن سكان المدن . فما دامت الأنماط تختلف بين الطبقات المشكلة للمجتمع فإن ساكنة المدن تكاد في مجملها تشكل الطبقة الوسطى او البين بينفع التراتبية . و في محاولتي تقريب النمط الأكثر شيوعا و الأكثر مدنية في المطبخ المغربي قديما حاولت أن أرسم صورة تقريبية عما كان عليه الحال في المجتمع المغربي قديما و على الأقل في المجتمع الحضري و ساكنة المدن حسب ما ذكر و تداول في نصوص المؤرخين و الرحالة والمسافرين القدماء و قذ لاحظت في أوصاف البكري و ليون الإفريقي و الإدريسي و خاصة عند مارمول و فوكو في وصفهم لمدن مغربية كفاس و تطوان و طنجة و سبتة و مراكش و غيرهم من المدن ما يقربني من تصور المناخ و الشكل العام التقريبي لما كان عليه شكل البناء و هندسة ألم مازال عموما بما في ذلك هندسة المطبخ كفضاء لتحضير الطع و الإطعام والأكل مع أنه توجد توصيفات غير هذه لفضاءات في البلاطات و القصور و مساكن الطبقات الراقية و النبيلة من المجتمع و هذا ليس هدفنا في هذا البحث الذي يروم الحديث عن الشكل الهندسي عند طبقة واسعة من المجتمع و هي الطبقة المتوسطة ، كما أنه بالمقابل كانت طبقات أقل حظا لم تنعم بمطابخ مبنية و هي طبقات عاشت على الهامش في البوادي و الدشور حيث لم تتوفر على سكن بل اعتمدت على عشش الجريد و اكواخ القصب و خيام الشعر و الوبر و احيانا على الكهوف مأوى لها .
و على ان هذا الأمر يدخل ضمن دراسات تهم بالأساس المساكن الحضرية و عموم الدراسات في المجال الاجتماعي فإن تلخيص هذا في مجال المطبخ يعطينا نظرة و لو تقريبية عن شكل المطبخ لنفهم منه كيف كان شكل الطبخ المغربي عامة في زمن لم تكن التكنولوجيا والأدوات متوفرة و كان العمل كله يتم يدويا و بدون آلات حيث لم تكن مهويات كهربائية ولا ثلاجات و لا أفران غازية و حيث كان الفحم و الحطب هو الوقود الأساسي و الخشب هو الأثاث و القدر و الخوابي الطينية و أحيا القدر النحاسية هم الأواني . ( بقلم الهواري الحسين )
و على الرغم من أن الكثير من تلك الأدوات لا يزال متداولا حتى يومنا هذا لكن التغيير الحضاري جرف العديد منه و هذا ما نريد ستحضاره لمعرفة كيف كانت تحضر الأطباق و الوصفات في زمن كانت الأدوات محدودة و كيف تدرجت و تطورت هذه الادوات و الامكنة و بالتالي تطورت معها الوصفات حتى بلغت عصرنا و لا زلنا نستعين وحضرها و نستهلكها ، وهي دراسة ستكتمل كلما قارنا المساحة و الشكل مع الوصفات كيف كانت و كيف صارت جنبا لجني مع التطور الحضاري والتكنولوجي و هي ناحية ضرورية لمعرفة مجموع الكم من أدوات و فضاءات و تقنيات استعملت في المطبخ المغربي ، فالمكان و الزمان و الأدوات و الموارد أجزاء يكمل بعضها البعض و لكل منها اثر في الطبق و الوصفة إلى جانب مواد و موارد أخرى طبعا لا يمكن الاستغناء عن هذا لوضع صورة كاملة و متكاملة للمطبخ المغربي و صيرورة و تطوره منذ عصور قديمة حتى وصوله إلينا و استمراره في الزمن المعاصر و الحديث لينافس مطابخ عالمية أخرى .
ان دراسة المكان او الفضاء المطبخي هو ضروري و لا ينقص قيمة عن كل دراسة هندسية تهتم بتاريخ الهندسة و البناء و الحياة الاجتماعية عموما في تاريخ المغرب و نعتبرها جزءا من دراسة نظمي المدن و المساكن الحضرية في المدن العتيقة في المغرب . لقد أعجب الرحالة مارمول Marmol في كتابه عن المغرب و خاصة عن بعض المناطق بالشكل الحضاري و البناء المنمق للبناء وتنظيم المدن المغربية لما زار المغرب حوالي القرن 17 و كاد ان يشبهه بالبلدان والمدن الراقية في أوروبا ومثل ذلك حصل لليون الإفريقي في كتابه وصف إفريقيا الذي ألفه لملك صقلية روجر و غيرهم و قد لاحظت في كتاباتهم اجماع على تفوق النمط المغربي مقارنة ببلدان اخرى زاروها في رحلاتهم حول العالم . أن دراسة المجال الهندسي للمطبخ المغربي تروم لتتبع كل أثر في المطبخ المغربي بما فيه الكفاية للسماح لمعرفة عينة كبيرة نسبيا و لو جزئيا لأن هذا المجال لم يتم تناوله عند الباحثين بما فيه الكفاية و باعتباره جزء مهم في المنظومة الغذائية المغربية و ليس فقط في الشكل الهندسي للمباني والبنية فمن وجهة النظر الأنثروبولوجية يستوجب دراسة كل الجوانب و التدقيق في مختلف المعطيات للحصول على نتيجة توافقية و متكاملة و هي دراسة للشكل الهندسي لا تختلف عن دراسة الأدوات و الموارد لوضع تصور و صورة كاملة ومحاولة تأسيس مشروع دراسي للحالة العامة قديما يشمل كثيرا من المواضيع ذات الصلة بالناحية الغذائية و تطورها عبر الزمن . ان بعض الملقيات و الآثار الموجودة ستساعدنا كذلك في معرفة انواع الأدوات المنزلية و الزراعية و المهنية التي كانت متداولة داخل و خارج المنازل ، وعلى سبيل المثال الأدوات المعروضة في المتاحف و كيف كانت تستعمل ومتى تستعمل و اماكن تواجدها في الهيكلة ، و كذلك التخطيط لبناء المطابخ و دورها و المداخن والخزائن والمراحيض و الأحواض والمغاسل والمواقد و الآبار وأماكن الأكل والإطعام و اماكن المخازن و طرق حفظ المواد و الاطعمة ( قبل المبردات الحديثة ) و طرق التموين و التسوق في المجتمع الحضري في العصور القديمة ، ووفقا للزمن الذي بنيت فيه هذه الأماكن سيعطينا تصورا و انطباعا عن الشكل الذي كان عليه المجتمع و مدى تحضره وكل هذا بالطبع يقودنا إلى طرح عدد من الأسئلة حول تطور المطبخ المغربي عامة شكلا و مضمونا أي كما و كيفا بالمعنى الأوسع للكلمة ، وعلى الأخص على نوعية الأكل و طريقة تحضيره و ملابسات ما يحيط به من نظافة و سلامة و جودة و ذوق وطعم ، ولكن المهم هو عن تطوره و ديمومة و بقاءه واستمراريته . و طبعا لما ستنهي الشكل الحضري سنقوم بالشيء نفسه مع المطبخ القروي و ساحاول ان اقارن بينها ، أي كيف كان المطبخ و حيزه و هندسته و مدى تأثير أيهما في مطبخنا الحالي و ال معا اي كيف كان الشكل الهندسي في البيوت القروية في القرون الماضية و من هذه المقارنات سنعرف أيهما او من المؤثر منهما على الشكل الحالي و ما دور أيهما في ما هو عندنا اليوم فإذا كنا في دراسات سابقة تناولنا المشكل اللغوي وغيره من المواضيع فى المطبخ المغربي عبر مقاربات و مقارنات عديدة فإننا نشير إلى الفارق المهم في هذه الدراسة بين بين مطبخ المدن و مطبخ القرى الذي كان يعتبر فرقا شائعا في القديم حيث يمثل الفضاء الهندسي أهم فارق طبعا و حيث أن تنظيم الطعام و تحضيره و كل أنشطة الطهي تتم و عكس ما هو في المدن في فضاء المراح أو وسط قاعة المنزل في فصل الشتاء مثلا بينما في الفصول الاخرى يتم ذلك في الهواء الطلق او في العشة اي الكشينة و لاسباب كثيرة اهمها المسافة و المساحة و الوقود و المؤن و ترتيبات أخرى تجعل منه مطبخا مختلفا عن مطبخ المدينة و حيث يصير التحضير في جميع أنحاء المنزل حسب ضيوف الطقس و المناخ و الوفرة و كثيرا ما يتم تثبيت الموقد على الأرض في الهواء الطلق او في وسط غرفة جانبية و حيث تجتمع الأسرة و نتجاذب الحديث، تقوم السيدات بإعداد الوجبات و في نفس الوقت يستعمل كمكان للأكل و النقاش فحول الموقد في فصل البرد تجتمع العائلة للدفء و النقاش لانه المصدر الوحيد للحرارة وأحيانا الإضاءة بينما هناك فرن في الخارج لطهي الخبز و حيث ان الدخان يخرج الى الهواء و هو مشكلة الحطب في حين ان المطابخ الداخلية يخرج فيها الدخان من الباب او عبر طاقات خاصة او من خلال النوافذ أو من خلال الشقوق في الجدران والسقف .. يتبع بقلم الهواري الحسين Houari Hossin ...