لا يزال الاسماس منذ 25 قرن يوظف في نفس التيمة ، الاسماس كأحد مفاتيح المطبخ المغربي ، هل يمكن استرجاع ماض انقرض و إعادة إحياءه ؟ لماذا لجأ البيدق إلى هذا المصطلح القديم مع العلم انه لم يكن مستعملا في عصره و كان ممكنا استعمال مصطلحات شائعة و متوفرة في حقبة الموحدين للدلالة على الوجبة المقدسة ؟ ، هل هي التورية ام النزوع إلى التشبث بالاصول عند البيدق في اخبار المهدي ؟
أسئلة كثيرة يطرحها نص البيدق و لا بد من وجود إجابات مقنعة و منطقية لها و هذه الأجوبة لا يمكن الحصول عليها في نص البيدق و لا في كتب معاصريه و لا في المؤلفات اللاحقة لعصره ( لأن الوصفة ببساطة ستستمر تحت عناوين و اسماء اخرى ) لهذا سنعرج على تواريخ ضاربة في القدم و قد يكون ذكرها قد تم في القرن الخامس قبل الميلاد بنفس الاسم و تم تحضيرها بنفس الأسلوب اي ان البيدق ذكرها في كتابه ( أخبار المهدي ) بعد 15 قرن من تداولها و وجودها ، و هنا نطرح سؤالا هل يمكن لوصفة أو وجبة أن تستمر في الرواج و الاستمرار كل هذا الزمن بنفس المكونات و بنفس الطريقة و نفس الاسم ؟ و إذا كانت استمرت حتى عصر الموحدين - القرن 12 - ** فلماذا اختفت بعد نهاية الموحدين مباشرة ؟ بل إن هذا المصطلح كان محدود التداول و اقتصر على اتباع المهدي بن تومرت و خليفته و الجماعة و الاتباع و انتهى معهم كما جاء . هل للمكان دور في تواجد اسم الاسماس ( منطقة من جبال الأطلس ) ؟ قد لا يكون هذا صحيحا لأن الاسماس كان شائعا في كثير من الأقاليم و الاماكن ( فربما كانت برغواطة مركزه حسب معطيات توصلت إليها ) و تحت اسماء مختلفة ، ان استعمال مصطلح أسماس عند البيدق كان متعمدا لأسباب كثيرة و إحداها لصبغه بالقداسة و لاعطاءه الشرعية كطعام خرافي طوطمي له طقوس و جدور كطعام الأجداد الأوائل و طعام الأنبياء و نجد ذلك في إشارة المهدي لاتباعه ( ...كلوا كما يأكل النبيون ) ان استراتيجية البيدق هي ربط طعام متداول بالقدسية عبر استخدام مصطلح تاريخي لم يعد متداولا و لا يعرفه إلا المثقفين و النخبة . و هذا ما سيدفعنا للبحث في تاريخ الاسماس بعدما تاكذنا من نوايا المهدي و البيدق . إن التقديس في العصر الموحدي طال ليس فقط الطعام والشراب بل كثيرامن الأمور و الأشياء و الأشخاص فمثلا أثناء الهزيمة في معركة البحيرة الخاسرة * لما قتل البشير و هو أحد العشرة المقدسين في الجماعة لجأ عبد المومن بن علي الكَومي و هو بدوره مقدس إلى إخفاء جثتة عن الجماعة و ادعاء انه رفع إلى السماء **
في هذا الجزء الثالث من دراستي لهذا الطعام ساتناوله من جانب الزمني لتحديد هويتة التاريخية التي هي إحدى رمزيات . علما بأنني نشرت الجزءين على هذه الصفحة .
الاسماس كطعام مقدس يعود إلى ما قبل التاريخ حسب دراستي له على امتداد سنوات طويلة و قد يلاحظ القارئ أنني اتجنب الدخول مباشرة في التعريف بالاسماس رغم توفري على كل المعلومات و المعطيات و ذلك لأسباب عديدة أهمها هو أن النشر على المواقع الإلكترونية لا يضمن حقوق التأليف من جهة و من ناحية ثانية فإن بعض القراء ينسخون هذه المنشورات و يعيدون نشرها و في كثير من الأحيان يحدفون اسم المؤلف و الباحث و يضعون أسماءهم أو أسماء مستعارة و لهذا فإني أشير ببعض الرموز الدلالية لتجنيب البحث العبث حتى يتم نشره رسميا و توثيقه ، و للأسف فإن أبحاث ودراسات كثيرة انجزتها في تاريخ المطبخ المغربي لا زالت لم ترى النور لهذا السبب و هي جاهزة للنشر والتوزيع انتظر فقط من يتكفل بطبعها و نشرها و من هذا المنطلق كان توجهي في بداية نشر الجزء الأول من هذه الدراسة الطويلة إلى أساتذة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية لما رأيت فيهم من اهتمام كبير بتاريخ الثقافة الغذائية و بتاريخها و كلي أمل أن تجد عندهم هذه الدراسة قبولا فقد أمضيت سنوات في التنقيب و البحث العميق حتى اكملتها ، و كما ذكرت سابقا فإن كثيرا من الباحثين و الدارسين الأكاديميين احتاروا في معرفة حقيقة الاسماس و قد ذكرت منهم الأستاذ الكبير عبد الوهاب بن منصور مؤرخ المملكة المغربية الذي أعطى تعريفا خاطئا للاسماس و الاستاذ Jaque Berque و عدد من الباحثين في الثقافة الأمازيغية و السوسية بالخصوص فقد كان مصطلح الاسماس موضوع أطروحات لنيل شهادة الدكتوراه و الماجستير لعدد من الباحثين في كثير من الجامعات المغربية و العالمية و قد توفقت في قراءة بعضها دون الاقتناع بمضمونها و كثير من هؤلاء المجتهدين أقروا بصعوبة التوفيق في أبحاثهم في الاسماس . لهذا فإني أضع هذه الدراسة و المعطيات حولها المتوفرة عندي لكي يطلع عليها المهتمين في المغرب و العالم ( لأن لها صلة وثيقة بتاريخ العالم ) و بالشأن التراثي و التاريخي بعيدا عن التحليلات و التاويلات الخاطئة ..... يتبع. . بقلم الهواري الحسين Hossin Houari
** الدولة الموحدية إمبراطورية مغربية أسسها الموحدون وهم من سلالة أمازيغية حكمت بلاد المغرب (المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا) والأندلس سنوات 1121م - 1269م أسسها أتباع حركة محمد بن تومرت واستطاع عبد المؤمن بن علي الكومي (1130م / 1133م - 1163م) أن يستحوذ على المغرب الأقصى (سقوط مراكش عام 1147م) والمغرب الأوسط ومن ثم على كامل إفريقية (حتى تونس وليبيا عام 1160م) والأندلس (1146م - 1154م). عاصمتها مراكش. وكانت إشبيلية مقر الوالي الموحدي على الأندلس.
* معركة البحيرة معركة حاسمة في تاريخ الموحدين فبسبها مات المهدي بن تومرت لما وصلته أنباء الفاجعة التي تكبدها جيش الموحدين و هي كذلك سبب تألق تلميذه عبد المومن بن علي الكَومي
و كانت المعركة قد وقعت سنة سنة 524هـ ـ 11 أبريل 1130م بين أتباع مدعي المهدية محمد بن تومرت الموحدين, وبين الدولة المرابطية وهي الدولة الحاكمة في المغرب والأندلس. وكانت القيادة العسكرية بالنسبة للموحدين بيد أهل العشرة
* ابو حفص الملقب بالهنتاتي جد الحفصيين مؤسسي الدولة الحفصيةفي شمال أفريقيا
* العشرة عبد المومن بن علي الكومي و أبوحفص و البشير وغيرهم ..