شجرة التين الفاكهة العريقة و رمز شمال إفريقيا
منذ قديم الزمن استوطنت شجرة التين مساحات شاسعة في أرض شمال إفريقيا و في قلوب سكان هذه الأرض حتى صارت رمزا لهم و لحضارتهم الطويلة فقد عرفها كل انسان عاش في هذا المهد الحضاري و شهدت هذه الشجرة أمجاد تلك الأمم المتداولة حتى صارت تمثل الشجرة الرمز لشمال أفريقيا كما صارت فاكهتها خاصية إفريقية و هي مثل شجرة الزيتون تحمل القدسية و التبجيل والإحترام فقد جاء ذكرها في القرآن الكريم و كذلك في نصوص أخرى مقدسة لعدة معتقدات واعتبرت شجرة من أشجار الجنة ، كما أنها واحدة من أشهر ثلاثة أشجار عمرت آلاف السنين إلى جانب كرمة العنب و شجرة الزيتون و يأتي بعدهم الرمان و التفاح و التمر و الجوز و هي أشجار تكاد تكون تحمل نفس القدسية و نفس الاستعمال المعنوي و حتى نفس الأقدمية الزمنية الضاربة في الأبدية و الأزلية البشرية لا سيما في حوض المتوسط و الهلال الخصيب . فقد عرفت عند قدماء السومريين في الألفية الثالثة و هي واحدة من أشجار حدائق بابل المعلقة كما عرفتها حضارة مصر القديمة قبل 5000 سنة و توجد رسوم لها في الآثار الفرعونية حيث دخلت في صناعة الأدوية و المشروبات و كذلك عند الإغريق فهي موصوفة بكثرة في أساطيرهم و طقوسهم الدينية و قد وصفها افلاطون بفاكهة الفلاسفة ، كما أنها اعتبرت عند الرومان بالشجرة الحامية Protectrice و المقدسة في اسطورة المؤسسين روملس و روميس الذين ارضعتهما الذئبة تحت شجرة التين . لقد ذكر التين آلاف المرات في المؤلفات الأندلسية ووجدت أكبر و أضخم و حتى أوفر وصف لهذه الشجرة و فاكهتها و كان علماء الأندلس و أطباءها قد تنافسوا شعرا و نثرا في وصف مزايا هذه الفاكهة و خصائصها ووصفات الأدوية و العقاقير و الترياق المستخرج من منتجاتها و قد اعجبت كثيرا بهذا الوصف العجيب لحبة فاكهة التين عند أهل قرطبة و طنجة و جبل طارق في العصر الأندلسي حيث ألفت كتب تشمل فضائلها وأنواعها . و اليوم و بعد أن حدد بلين الكبير في الزمن القديم عددها في 29 نوعا فإن علماء النبات اليوم يتفقون على ان عدد أنواعها يتجاوز 800 نوع . إن الفضل في وصول هذه الشجرة الرمزية إلى شمال إفريقيا يعود إلى الفينيقيين كما يؤكد ذلك الباحث سان جيسل و قد تم استزراعها في شمال إفريقيا و حوض المتوسط تماما كما حصل مع شجرة الزيتون . و قد نشر الباحث المغربي سعيد البوزيدي بحثا رائعا عن هذه الشجرة في المغرب وشمال إفريقيا. و قد استهله بما جرى لكايتون مع مستشاري مجلس النواب الروماني أثناء الحرب البونيقية الثالثة ضد قرطاج لما فاجئهم بوضع حبات من فاكهة التين الطري أمامهم و سألهم ان يجيبوه عن تاريخ قطف هذه الحبات الطرية فأجمعوا على أنها قطفت في ذلك اليوم فضحك وضرب لهم بذلك مثلا عن غفلته ، و اجابهم بأنها قطفت قبل ثلاثة أيام في قرطاج و أنها حملت في سفينة عبر البحر الأبيض المتوسط وأن العدو - اي القرطاجيين- على أبواب روما و لن يتخلفوا في الوصول اليكم طازجين كهذه الفاكهة …… يتبع ، بقلم الهواري الحسين Houari Hossin