رد على المؤرخ الكبير الأستاذ السيد عبد الوهاب بن منصور في شأن ( الاسماس و السليف و غيرهما من الاطباق المغربية المنقرضة والتي صارت عالمية تحت أسماء غريبة ) ، في البحث عن الهوية - رد مختصر - حول تعريف سيادتكم للاسماس الذي ذكره البيدق ، فأنا أملك معلومات كثيرة حول الموضوع .
- التاريخ المدلس للمطبخ المغربي و الانقلاب على النمط البرغواطي الذي حصل بين العصرين الموحدي و المريني تحت ضغوطات اثنية ، و هل يمكن إعادة كتابة التاريخ ؟ الوصفات الأصلية المنقرضة و التحول الى المطبخ الافتراضي و هل أصاب السلطان يعقوب المنصور او أخطأ ؟ ومحاولة تدارك ذلك في عهد إدريس المأمون في ( الصحوة المتأخرة ) .
لكي نعرف ما الذي حصل يجب ان نبحث في التاريخ لاستنباط الحقائق حول تغييب النمط المغربي ، وهذه مراجعة تاريخية في أسباب خلط الأوراق والمفاهيم عصر الإمبراطورية الموحدية او قراءة للأسباب السياسية وراء دعوة المنصور لتعريب المصطلحات و دور الأندلسيين في طمس الهوية المغربية و الدفع بالتعريب ثم تغليب النزعة القشتالية catalane مما سيؤدي إلى الانهيار الكبير , لماذا رفض ملوك الطوائف دعوة المنصور الى توحيد العدوتين (( لكن بعد سقوط الأندلس عاد الموريسكيون للقبول بها )) و ماهي الشروط التي فرضتها جماعة قرطبة و ابن حسداي ؟ وما هي الدوافع وراء كراهية البربر و استعمال لفظ الصنهاجي للدلالة ؟ اهو الاعتزاز بالهوية الأندلسية ؟ و هل كان لهذه الأمور دور في الهزائم المتلاحقة ؟ انعدام الإجماع على النمط المغربي و على الموحدين في الأندلس- اعتبروا محتلين لدى بعض الطوائف - مما حدى بمؤرخي الأندلس إلى التعتيم و أحيانا إلى التنقيص .
في مخطوطات ابن صاحب الصلاة ( المن بالإمامة ) وعند البيدق ( مؤرخ ابن تومرت ) أكبر دليل على الأطباق المنقرضة والتي ستختفي لاحقا عند باقي المؤرخين المعاصرين لذلك العصر سواء في الأندلس وشمال إفريقيا ، ولم يشر لها مؤلف الطبيخ في العدوتين و لا ابن رزين التجيبي و لا ابن العديم قاضي حلب مستبدلين الأسماء الأصلية بأخرى أعجمية .
ماذا حدث بعد تغريبة بني هلال و هل كان إجماع على ذلك - باستثناء رسالة ابن طفيل الاستعجالية لا نجد أثرا آخر - هل حصل تدليس للحقائق عند ابن بشكوال تلميذ ابن رشد و عند المراكشي ، مباشرة بعد هذه الأحداث ستتغير التسميات؟ لماذا لجأ فقهاء الأندلس إلى طمس النمط المغربي تحت ذريعة توحيد النمطين الأندلسي / الموحدي ( العدوتين , المغرب و الأندلس ) هل كانت الأندلس دولة قائمة بذاتها أم مجرد إقليم تابع للمغرب عصر المرابطين و الموحدين و هي مجموعة دويلات طوائف متناحرة - أكثر من ثلاثين طائفة - ؟ اي تغليب نمط المغلوب على الغالب ( عكس نظرية ابن خلدون في التأثير التي تشير إلى تأثر المغلوب بالغالب )
كانت القوات المغربية قد اجتاحت جنوب أوروبا بكل مماليكها و طوائفها قبل معركة الأرك ، لكن ثلة من علماء و حكماء الأندلس رفضوا الإعتراف بذلك مفضلين الحفاظ على الهوية الأندلسية و أغلبهم من جماعة قرطبة و المدرسة العبرية الأندلسية أتباع ابن ميمون و جماعة الوزير ابن حسداي في الميريا ( لجأ مؤيدو هذه الجماعات إلى الأيوبيين في الإسكندرية و حلب ) ضدا في الموحدين و معهم مغاربة آخرون من فاس وسبتة ( حالة الحجاج بن يقنين ) هل لم يستوعبوا ما هو مفهوم التوحيد ( التومرتي ) أم هو كما صرحوا بذلك راجع لمعاناتهم و التنكيل بهم ( توحيد الزي اليهودي الاصفر و بعده الأزرق ) - الإشارة في قصيدة الألبيري الشهيرة - , تحت تأثير الأحداث. المتلاحقة و ضغط وجهاء و علماء و حكماء الأندلس لم يجد السلطان بدا من الإذعان و يتخلى عن الانتماء للبربر ( و هو الأمازيغي ) في سبيل توحيد الأمتين و تخلى بذلك عن موروث ثقافي لإرضاء النخبة الأندلسية التي كانت تأخذ موقفا عدائيا من البربر ، كان عليه ان يضحي أو يتنازل أهل العلم ، لاحقا ستصدر الاعترافات بالموحدين و لو تحت تعريف مبهم يقارن بينهم و بين الملثمين المرابطين و اتباعهم الصنهاجيين ( بنو زيري ) . هل كان التعريب الذي فرض هو فقط للتقليل من نفوذ البربر أو انتقاما منهم أو لرفع قيمة الهوية الأندلسية ؟ و كيف يعقل أن تخضع امبراطورية منتصرة وفي عنفوان قوتها لاملاءات و هنجعية فقهاء الأندلس و تمحو تراثها ، ولو أخذنا في الاعتبار أن الخيانة ستستمر حتى انهيار دولة الموحدين بعد معركة حصن العقاب فضاعت الدولة و ضاعت الهوية … يتبع . ( من كتاب ) الهواري الحسين Houari Hossin
معجم الطبخ المغربي و العالمي Encyclopédie de la cuisine marocaine et internationale مطبخ تاريخ الطبخ المغربي و العالمي معلومات وصفات recettes مراجع مصادر référence تاريخ وسيط histoire médiévale couscous tagine pastilla كسكس طاجين بسطيلة حريرة اكلات رمضان أطعمة غذاء nourriture alimentation
dimanche 22 janvier 2017
المطبخ المقارن ، الرحالة المغربي ابن بطوطة يقارن الحريرة و الكشري ، المطبخ الهندي بالتفصيل ، عن الأستاذ عبد الهادي التازي . البحث عن الهوية في ادب الرحلة ، بقلم الهواري الحسين، الثقافة الغذائية المغربية
(( ومن الحبوب المنج (Mung de Clusuis) الذي يشبه الماش، إلا أن حبوبه مستطيلة ولونه صافي الخضرة، وهم يطبخونه بالأرز ممزوجا بالسمن، ويعرف باسم (كشري Kichiry)، الذي يتناولونه يوميا على نحو الحريرة بالبلاد المغربية، وربما كان القصد إلى (الكُشَرِي) الذي يتناوله إخواننا في مصر، وخاصة في بالأحياء الشعبية على مقربة مـن الأزهر، وينطقون بـه (بضـم الكاف وفتح الشين)، ومنها اللوبيا والموت، (بضم الميم)، وهي الكودرو، إلا أن حبوبه أصغـر وهو من علف الدواب على نحو ما يفعلونه بالحمص الذي يقدمونه كذلك لدوابهم في بعض الأحيان.))
بمناسبة حديثه عن المآدب التي أقيمت لقاضي ترمذ، والتي كان له شرف حضور بعضها، ذكر وصفا لما كان يقدم من صنوف الطعام، وهنا يتعرض لذكر خبز الرقاق (PAPAR) الذي لا يخلو منه مطعم مرموق إلى الآن في كبريات المدن الهندية...
ولم يفت الرحالة المغربي ـ وهو يرتب تلك المآكل ـ أن يعرض للأبازير والزنجبيل الأخضر والأرز ولقمة القاضي، وكل هذه الأشياء مما يصمد إلى اليوم في حياة الهند اليومية.
وكـان مما أثار انتباه ابن بطوطة ظاهرة (الخدمـة) التي تستأثر بها تقاليد تلك الديار، ولا يقصد بالخدمة ما نتعارف عليه مما يؤديـه اللفـظ، ولكن القصد بالخدمـة هـو طريقة التعبير عن الإجلال والاحترام ...
وإذا كان ابن بطوطة قد أعطى فكرة عن هذه (الخدمة) في أثناء إقامته بالأراضي التابعة اليوم للاتحاد السوفياتي، فإنه اليوم يزيدها معنى ألآخر اكتسبته من البيئة ... وهي ـ أي الخدمة ـ عبارة عن حط الرأس نحو الركوع.
وقـد وقفت شخصيا، ومرات متعددة على هذا النوع من (الخدمة)، وبخاصة عند مقَدْم بعض قادة رجال الدين، حيث يقف بعضهم وقد قارن يديه معا، وطأطأ الرأس... وحيث يعمد بعضهم إلى حركة تشبه أن تدل على أنه يحاول أن يلتقط بيمناه ـ ومن حوالي ممر مولانا ـ ما يمكن أن يكون: هواء أو نورا، ويرفع يده اليمنى تلك في اتجاه قلبه ليمسح بها على صدره... !
ويلذ للرحالة المغربي أن يتتبع ما يقدم في المآدب باعتبـارها أكثر دلالة على بيئة الشعوب، فيتحدث عن عصير النبات (الجلاب) الذي يقدم في البداية كمـدخل للوجبة، وقال: إنهم يسمونه (الشربة)، ومن المعلوم أن كلا مـن اللفظين (الجلاب) و(الشربة) معروف اليوم أيضا في اللغات الأوربية: (Julep) و(Sorbet) .
ولـم يفت ابـن بطوطة أن يذكر ظاهـرة ما تزال إلى الآن مـلاحظة للغادين والرائحيـن في الشوارع الآهلـة، تلك تنـاول التنبول، أو مـا يسمى اليـوم (بان) (Pan) بتفخيم الباء، بعـد تنـاول الأكل، يعتبـرونه
مُهْضِاً... والتبنول في الأصل نبات من الفصيلة الفلفلية يمضغ ورقه، لكن هذا الورق اليوم أصبح بمثابة ظرف لعدة مواد تجعل فيه، منها ذهنيات، ومنها بهارات ومنبهات.
وتقـدم مع التنبول جوز الفوفل أو الأرك (AREC) كما نسميه نحن .
لقد قدم ابن بطوطة مدينة (أبو هر) أو(أبو هير) على أنها مدينة صغيرة، حسنة، كثيرة العمارة، وأنها ذات أشجار، ولكنها أشجار تختلف عما كان يعهده ببلاد المغرب... وكانت هـذه الإشارة منه مبررا للاستطراد والتخلص للحديث قليلا عن أشجار القارة الهندية وفواكهها، وهو استطلاع في محله، لأنـه قـدم للقارئ فـي منتصف القرن الثامن (الرابع عشر الميلادي) ما يمكن أن يحص به القارئ وهـو يعيش في بداية القرن الخامـس عشر الهجري. أو أواخـر القرن العشرين الميلادي.
وهكذا، فبعد أن ميز بين حجم النبق المغربي والنبق الهندي، حيث لاحظ كبر حكم هذا، وشدة حلاوته، خصص فصلا من رحلته لموضوع الأشجار والفواكه.
لقد كان في صدر الأشجار والفواكه التي استحقت منه التقديم، وهو مصيب في ذلك شجرة وفاكهة العنبة، (بتسكين النون)، وقد لاحظت أن بعض الناس في بلاد الشرق يحرفون النطق إلى (العبر) وما تزال كلمة (Ambé) إلى الآن محفوظة في إيران للتعبير عن هذا المربى اللذيذ الذي يستحسن تناوله مع الأرز كثيرا... ويتعلق الأمر بشجر المانك المشهور بآسيا وإفريقيا... ويعطيه هنا ابن بطوطة وصفا دقيقـا جعله يتحدث أيضا عما يصنع منه من مربى يعرف باسم (الكاري Curry) الذي أخذ شهرة عالمية كما هو معروف.
لقد قال: «إن العنبة (أي المانك) تشبه أشجار النارنج، إلا أنهـا أعظم أجراما وأكثر أوراقا، وأوفر ظلالا... وثمرها على قدر الإجاص الكبير، فإذا كان أخضر قبل تمام نضجه أخذوا ما سقط منه، وجعلوا عليه الملح وصبروه كما يصبر الليم والليمون ببلادنا على نحـو ما يصبرون الزنجبيل الأخضر، وعناقيد الفلفل، ويأكلون ذلك مـع الطعام، يأخذون بإثر كل لقمـة يسيرا مـن هذه المملوحات، فإذا نضجت العنبـة في أوان الخريف اصفرت حبتها، فأكلـوها كالتفاح، فبعضهـم يقطعها بالسكين، وبعضهـم يمصها مصـا، وهي حلوة يمازج حلاوتهـا يسير حموضـة، ولها نواة كبيرة يزرعونهـا، فتنبث منها الأشجار، كما تزرع نوى النارنج وغيرها».
وهكذا يكون ابن بطوطة أول عربي على الإطلاق أعطى وصفا دقيقا لشجر (المانكو)، سواء عندما يخلل، فيقدم كمقبل! أو ينضج، فيقدم كفاكهة في ختام المائدة !
ومن المانكو ينتقل إلى ما سماه (شاكي وباركي)، ويقول:«إن ثمرها يخرج من أصل الشجرة، فما اتصل منه بالأرض فهو الباركي ، وحلاوته أشد، وطعمه أطيب، وما كان فوق الأرض فهو الشاكي، وثمره يشبه القرع الكبير...فإذا اصفر في إبان الخريف قطعوه وشقوه، فيكون في داخل الواحدة بذور شبه الخيار، بين البذرة والأخرى سفاق أصفر اللون، ولكل بذرة نواة تشبه الفول الكبير، وإذا شويت تلك النواة، أو طبخت، يكون طعمها كطعم الفول... » ويقول ابن بطوطة: « إن شاكي وباركي خير فاكهة ببلاد الهند».
ولا شك أنه يقصد بهذه الفاكهة ما يحمل اسم (Le jacquier)، ومن المعلوم أن ( الجاكيي) هذا جنس شجر من فاصلة الخبزيات، وهـو ينبت في المناطق الحارة.
وبعد (شاكي وباركي) يتعرض ابن بطوطة لفاكهة كانت تدعى( تاندو Tendau)، وهي ثمر شجر الآبنوس، وحباته في قدر حبات المشمش، ولونها في لونه كذلك، وهو في غاية الحلاوة، وأعتقد أن ابن بطوطة يقصد إلى ما يسمى اليوم (تشيكو)، وهـو فعلا ذو حلاوة بالغة، إلا أن بـه بذورا تحكي بذور الخروب، تجد في الواحدة ثلاثة بذور أو أكثر.
ومن فواكه الهند ما سماه الجمون، يعني (Djambau)، ويصف ثماره بأنها تشبه حبوب الزيتون، وأن لونها أسود كذلك، ونواها واحدة، وما تزال أطباق هذه الفاكهة تعرض على أبواب الدكاكين في بداية فصل الصيف لديهم،(أعني أبريل ـ مايه...) إلا أن طعمه لم يكن ـ بالنسبة إلي ـ على ما كنت أتوقعه من بريق لونه ولطيف شكله.
وتحدث ابن بطوطة عن النارنج الحلو الذي يتكاثر في الهند، ولكنه لم يغفل عن النوعين الآخرين من النارنج: الحامض والمتوسط بين الحلاوة والحموضة الذي كان يستسيغ تناوله.
ومن النارنج إلى « المهوى» التي قال عن أوراقها: إنها شبه أوراق الجوز، إلا أن فيها حمرة وصفرة، وقال عن ثمرها: إنه يشبه الإجاص الصغير وإنـه شديد الحلاوة، وإن في أعلى كل حبة منه حبة صغيرة تشبه حبة العنب، طعمها كطعمه... وهم ـ يقول ابن بطوطة ـ يسمون هذه الحبة أنكور،(Angôur) وهو لفظ فارسي الأصل على ما نبه عليه الذين تطوعوا بترجمة الرحلة إلى اللغات الأوربية والأسيوية، فأسدوا للتراث المغربي معروفا لا ينسى.
ويعتاد الهنود تجفيف تلك الحبوب في الشمس، وقد وجد فيها رحالتنا المغربي ما يعوض فقدانه للتين الذي كان يتمتع بكمية هائلة منه بشمال المغرب، حيث يقع مسقـط رأسه: ( طنجة)، ذلك التين الذي قال عنه: إنه لا يوجد ببلاد الهند، ولعله كان يقصد إلى أنه عزيز الوجود، على نحو ما قاله بالنسبة للعنب، وقد شاهدناهما كذلك بالهند.
و(المهوى) التي يذكرها ابن بطوطة تقابل في التعليقات الغربية بكلمة ( Bassia Latifolia)، وهي على كل حال ليست ما يقدم للضيف بعد الطعام مما يحمل اسم المخواس (Mukhwas): مجموعة من التوابل والمكسرات المهضمة.
ومما يذكر عن (المهوى) أنه يثمر مرتين في السنـة، وأنهـم يستخرجون الزيت من نواه، ويستصبحون به.
ومن فواكه الهند ما سماه (كسيرا) وتقابل في اللغات الغربية بكلمات (Cacîrou. Scripuskyoor) ، وقد قال عنها: إنهم يحفرون عليها الأرض، وإنها شبيهة بالقسطل، وهي شديدة الحلاوة.
وقد ختم ابن بطوطة هذا الفصل من الأشجار باستدراك أن شجر الرمان يوجد بالهند على نحو ما هو ببلاد المغرب، إلا أنه يثمر هناك مرتين في السنة... وأفاد أن الهنود يسمونه (أنارAnâr)، وأنه (أي ابن بطوطة) يعتقد أن هذا وهو الأصل في تسمية زهر الرمان بالجلنار، لأن جل (Gul) بالفارسية معناها: الزهر، وأنار معناها: الرمان.
وبهذا نرى ابن بطوطة يبرهن على أن معلوماته في الفارسية بلغت بحيث أخذ يستطيع فك الكلمة المركبة، وإعطاء معانيها.
وبعد هذه المعلومات القيمة عن أشجار الهند، يعطي تفصيلات عن جل الحبوب التي تزرع بأرض الهند، سواء منها ما يزرع في موسم الخريف، أو موسم الربيع، حيث إن الزراعة عندهم موسمان اثنان: أحدهما: عندما ينزل المطـر في نهاية القيظ: حيـث يزرعون(الكودرو Kudhroû) ، نوع من أنواع الدخن، وهـو أكثرها بتلك البلاد، و(القال ـ Kâl) الذي يشبه حب ( أنيلي) المعـروف عنـدنا بالمغرب، و(الشاماخ ـ Panicum Colonum) الذي يصعـد مـن غير زراعة، والذي قال عنـه: إنه طعـام الصالحين والمساكين، حبـوب صغيرة جدا تدق في المهاريس بعـد تشميسها، فيبقى اللب الأبيض الـذي يصنعـون به ـ مع حليب الجواميس ـ ما يشبه أن يكون عصيدة ، وقد كانت هذه العصيدة من الأطعمة المحببة لدى ابن بطوطة أثناء إقامته بالهند، وربما صنعوا من الشاماخ الخبز أيضا.
ومن الحبوب (الماش Phoseolus max) الذي وصفه بأنه نوع من الجلبان، ويباع اليوم على نحو ما يباع الحمص المقلي ببعض البلاد.
ومن الملاحظ أن (الماش) يقدم إلى اليوم في بعض جهات العراق، وخاصة منها الجهات الآهلة بالشيعة، وقد كنت أسمع من بعض الزملاء أن تناوله كعشاء مما يساعد على الاستمتاع بأحلام لذيذة! وقد جرب فصح على نحو ما تردده الأقوال السائرة في المنطقة.
ومن الحبوب المنج (Mung de Clusuis) الذي يشبه الماش، إلا أن حبوبه مستطيلة ولونه صافي الخضرة، وهم يطبخونه بالأرز ممزوجا بالسمن، ويعرف باسم (كشري Kichiry)، الذي يتناولونه يوميا على نحو الحريرة بالبلاد المغربية، وربما كان القصد إلى (الكُشَرِي) الذي يتناوله إخواننا في مصر، وخاصة في بالأحياء الشعبية على مقربة مـن الأزهر، وينطقون بـه (بضـم الكاف وفتح الشين)، ومنها اللوبيا والموت، (بضم الميم)، وهي الكودرو، إلا أن حبوبه أصغـر وهو من علف الدواب على نحو ما يفعلونه بالحمص الذي يقدمونه كذلك لدوابهم في بعض الأحيان.
ويعطي ابن بطوطة بعد هذا معلومات عن زراعة القمح والشعير والعدس والأرز الذي يزرع ثلاث مرات في العام، وكذا عن السمسم وقصب السكر، ويختم هذا الفصل بوصف أرض الهند بأنها طيبة التربة.
(( ومن الحبوب المنج (Mung de Clusuis) الذي يشبه الماش، إلا أن حبوبه مستطيلة ولونه صافي الخضرة، وهم يطبخونه بالأرز ممزوجا بالسمن، ويعرف باسم (كشري Kichiry)، الذي يتناولونه يوميا على نحو الحريرة بالبلاد المغربية، وربما كان القصد إلى (الكُشَرِي) الذي يتناوله إخواننا في مصر، وخاصة في بالأحياء الشعبية على مقربة مـن الأزهر، وينطقون بـه (بضـم الكاف وفتح الشين)، ومنها اللوبيا والموت، (بضم الميم)، وهي الكودرو، إلا أن حبوبه أصغـر وهو من علف الدواب على نحو ما يفعلونه بالحمص الذي يقدمونه كذلك لدوابهم في بعض الأحيان.))
بمناسبة حديثه عن المآدب التي أقيمت لقاضي ترمذ، والتي كان له شرف حضور بعضها، ذكر وصفا لما كان يقدم من صنوف الطعام، وهنا يتعرض لذكر خبز الرقاق (PAPAR) الذي لا يخلو منه مطعم مرموق إلى الآن في كبريات المدن الهندية...
ولم يفت الرحالة المغربي ـ وهو يرتب تلك المآكل ـ أن يعرض للأبازير والزنجبيل الأخضر والأرز ولقمة القاضي، وكل هذه الأشياء مما يصمد إلى اليوم في حياة الهند اليومية.
وكـان مما أثار انتباه ابن بطوطة ظاهرة (الخدمـة) التي تستأثر بها تقاليد تلك الديار، ولا يقصد بالخدمة ما نتعارف عليه مما يؤديـه اللفـظ، ولكن القصد بالخدمـة هـو طريقة التعبير عن الإجلال والاحترام ...
وإذا كان ابن بطوطة قد أعطى فكرة عن هذه (الخدمة) في أثناء إقامته بالأراضي التابعة اليوم للاتحاد السوفياتي، فإنه اليوم يزيدها معنى ألآخر اكتسبته من البيئة ... وهي ـ أي الخدمة ـ عبارة عن حط الرأس نحو الركوع.
وقـد وقفت شخصيا، ومرات متعددة على هذا النوع من (الخدمة)، وبخاصة عند مقَدْم بعض قادة رجال الدين، حيث يقف بعضهم وقد قارن يديه معا، وطأطأ الرأس... وحيث يعمد بعضهم إلى حركة تشبه أن تدل على أنه يحاول أن يلتقط بيمناه ـ ومن حوالي ممر مولانا ـ ما يمكن أن يكون: هواء أو نورا، ويرفع يده اليمنى تلك في اتجاه قلبه ليمسح بها على صدره... !
ويلذ للرحالة المغربي أن يتتبع ما يقدم في المآدب باعتبـارها أكثر دلالة على بيئة الشعوب، فيتحدث عن عصير النبات (الجلاب) الذي يقدم في البداية كمـدخل للوجبة، وقال: إنهم يسمونه (الشربة)، ومن المعلوم أن كلا مـن اللفظين (الجلاب) و(الشربة) معروف اليوم أيضا في اللغات الأوربية: (Julep) و(Sorbet) .
ولـم يفت ابـن بطوطة أن يذكر ظاهـرة ما تزال إلى الآن مـلاحظة للغادين والرائحيـن في الشوارع الآهلـة، تلك تنـاول التنبول، أو مـا يسمى اليـوم (بان) (Pan) بتفخيم الباء، بعـد تنـاول الأكل، يعتبـرونه
مُهْضِاً... والتبنول في الأصل نبات من الفصيلة الفلفلية يمضغ ورقه، لكن هذا الورق اليوم أصبح بمثابة ظرف لعدة مواد تجعل فيه، منها ذهنيات، ومنها بهارات ومنبهات.
وتقـدم مع التنبول جوز الفوفل أو الأرك (AREC) كما نسميه نحن .
لقد قدم ابن بطوطة مدينة (أبو هر) أو(أبو هير) على أنها مدينة صغيرة، حسنة، كثيرة العمارة، وأنها ذات أشجار، ولكنها أشجار تختلف عما كان يعهده ببلاد المغرب... وكانت هـذه الإشارة منه مبررا للاستطراد والتخلص للحديث قليلا عن أشجار القارة الهندية وفواكهها، وهو استطلاع في محله، لأنـه قـدم للقارئ فـي منتصف القرن الثامن (الرابع عشر الميلادي) ما يمكن أن يحص به القارئ وهـو يعيش في بداية القرن الخامـس عشر الهجري. أو أواخـر القرن العشرين الميلادي.
وهكذا، فبعد أن ميز بين حجم النبق المغربي والنبق الهندي، حيث لاحظ كبر حكم هذا، وشدة حلاوته، خصص فصلا من رحلته لموضوع الأشجار والفواكه.
لقد كان في صدر الأشجار والفواكه التي استحقت منه التقديم، وهو مصيب في ذلك شجرة وفاكهة العنبة، (بتسكين النون)، وقد لاحظت أن بعض الناس في بلاد الشرق يحرفون النطق إلى (العبر) وما تزال كلمة (Ambé) إلى الآن محفوظة في إيران للتعبير عن هذا المربى اللذيذ الذي يستحسن تناوله مع الأرز كثيرا... ويتعلق الأمر بشجر المانك المشهور بآسيا وإفريقيا... ويعطيه هنا ابن بطوطة وصفا دقيقـا جعله يتحدث أيضا عما يصنع منه من مربى يعرف باسم (الكاري Curry) الذي أخذ شهرة عالمية كما هو معروف.
لقد قال: «إن العنبة (أي المانك) تشبه أشجار النارنج، إلا أنهـا أعظم أجراما وأكثر أوراقا، وأوفر ظلالا... وثمرها على قدر الإجاص الكبير، فإذا كان أخضر قبل تمام نضجه أخذوا ما سقط منه، وجعلوا عليه الملح وصبروه كما يصبر الليم والليمون ببلادنا على نحـو ما يصبرون الزنجبيل الأخضر، وعناقيد الفلفل، ويأكلون ذلك مـع الطعام، يأخذون بإثر كل لقمـة يسيرا مـن هذه المملوحات، فإذا نضجت العنبـة في أوان الخريف اصفرت حبتها، فأكلـوها كالتفاح، فبعضهـم يقطعها بالسكين، وبعضهـم يمصها مصـا، وهي حلوة يمازج حلاوتهـا يسير حموضـة، ولها نواة كبيرة يزرعونهـا، فتنبث منها الأشجار، كما تزرع نوى النارنج وغيرها».
وهكذا يكون ابن بطوطة أول عربي على الإطلاق أعطى وصفا دقيقا لشجر (المانكو)، سواء عندما يخلل، فيقدم كمقبل! أو ينضج، فيقدم كفاكهة في ختام المائدة !
ومن المانكو ينتقل إلى ما سماه (شاكي وباركي)، ويقول:«إن ثمرها يخرج من أصل الشجرة، فما اتصل منه بالأرض فهو الباركي ، وحلاوته أشد، وطعمه أطيب، وما كان فوق الأرض فهو الشاكي، وثمره يشبه القرع الكبير...فإذا اصفر في إبان الخريف قطعوه وشقوه، فيكون في داخل الواحدة بذور شبه الخيار، بين البذرة والأخرى سفاق أصفر اللون، ولكل بذرة نواة تشبه الفول الكبير، وإذا شويت تلك النواة، أو طبخت، يكون طعمها كطعم الفول... » ويقول ابن بطوطة: « إن شاكي وباركي خير فاكهة ببلاد الهند».
ولا شك أنه يقصد بهذه الفاكهة ما يحمل اسم (Le jacquier)، ومن المعلوم أن ( الجاكيي) هذا جنس شجر من فاصلة الخبزيات، وهـو ينبت في المناطق الحارة.
وبعد (شاكي وباركي) يتعرض ابن بطوطة لفاكهة كانت تدعى( تاندو Tendau)، وهي ثمر شجر الآبنوس، وحباته في قدر حبات المشمش، ولونها في لونه كذلك، وهو في غاية الحلاوة، وأعتقد أن ابن بطوطة يقصد إلى ما يسمى اليوم (تشيكو)، وهـو فعلا ذو حلاوة بالغة، إلا أن بـه بذورا تحكي بذور الخروب، تجد في الواحدة ثلاثة بذور أو أكثر.
ومن فواكه الهند ما سماه الجمون، يعني (Djambau)، ويصف ثماره بأنها تشبه حبوب الزيتون، وأن لونها أسود كذلك، ونواها واحدة، وما تزال أطباق هذه الفاكهة تعرض على أبواب الدكاكين في بداية فصل الصيف لديهم،(أعني أبريل ـ مايه...) إلا أن طعمه لم يكن ـ بالنسبة إلي ـ على ما كنت أتوقعه من بريق لونه ولطيف شكله.
وتحدث ابن بطوطة عن النارنج الحلو الذي يتكاثر في الهند، ولكنه لم يغفل عن النوعين الآخرين من النارنج: الحامض والمتوسط بين الحلاوة والحموضة الذي كان يستسيغ تناوله.
ومن النارنج إلى « المهوى» التي قال عن أوراقها: إنها شبه أوراق الجوز، إلا أن فيها حمرة وصفرة، وقال عن ثمرها: إنه يشبه الإجاص الصغير وإنـه شديد الحلاوة، وإن في أعلى كل حبة منه حبة صغيرة تشبه حبة العنب، طعمها كطعمه... وهم ـ يقول ابن بطوطة ـ يسمون هذه الحبة أنكور،(Angôur) وهو لفظ فارسي الأصل على ما نبه عليه الذين تطوعوا بترجمة الرحلة إلى اللغات الأوربية والأسيوية، فأسدوا للتراث المغربي معروفا لا ينسى.
ويعتاد الهنود تجفيف تلك الحبوب في الشمس، وقد وجد فيها رحالتنا المغربي ما يعوض فقدانه للتين الذي كان يتمتع بكمية هائلة منه بشمال المغرب، حيث يقع مسقـط رأسه: ( طنجة)، ذلك التين الذي قال عنه: إنه لا يوجد ببلاد الهند، ولعله كان يقصد إلى أنه عزيز الوجود، على نحو ما قاله بالنسبة للعنب، وقد شاهدناهما كذلك بالهند.
و(المهوى) التي يذكرها ابن بطوطة تقابل في التعليقات الغربية بكلمة ( Bassia Latifolia)، وهي على كل حال ليست ما يقدم للضيف بعد الطعام مما يحمل اسم المخواس (Mukhwas): مجموعة من التوابل والمكسرات المهضمة.
ومما يذكر عن (المهوى) أنه يثمر مرتين في السنـة، وأنهـم يستخرجون الزيت من نواه، ويستصبحون به.
ومن فواكه الهند ما سماه (كسيرا) وتقابل في اللغات الغربية بكلمات (Cacîrou. Scripuskyoor) ، وقد قال عنها: إنهم يحفرون عليها الأرض، وإنها شبيهة بالقسطل، وهي شديدة الحلاوة.
وقد ختم ابن بطوطة هذا الفصل من الأشجار باستدراك أن شجر الرمان يوجد بالهند على نحو ما هو ببلاد المغرب، إلا أنه يثمر هناك مرتين في السنة... وأفاد أن الهنود يسمونه (أنارAnâr)، وأنه (أي ابن بطوطة) يعتقد أن هذا وهو الأصل في تسمية زهر الرمان بالجلنار، لأن جل (Gul) بالفارسية معناها: الزهر، وأنار معناها: الرمان.
وبهذا نرى ابن بطوطة يبرهن على أن معلوماته في الفارسية بلغت بحيث أخذ يستطيع فك الكلمة المركبة، وإعطاء معانيها.
وبعد هذه المعلومات القيمة عن أشجار الهند، يعطي تفصيلات عن جل الحبوب التي تزرع بأرض الهند، سواء منها ما يزرع في موسم الخريف، أو موسم الربيع، حيث إن الزراعة عندهم موسمان اثنان: أحدهما: عندما ينزل المطـر في نهاية القيظ: حيـث يزرعون(الكودرو Kudhroû) ، نوع من أنواع الدخن، وهـو أكثرها بتلك البلاد، و(القال ـ Kâl) الذي يشبه حب ( أنيلي) المعـروف عنـدنا بالمغرب، و(الشاماخ ـ Panicum Colonum) الذي يصعـد مـن غير زراعة، والذي قال عنـه: إنه طعـام الصالحين والمساكين، حبـوب صغيرة جدا تدق في المهاريس بعـد تشميسها، فيبقى اللب الأبيض الـذي يصنعـون به ـ مع حليب الجواميس ـ ما يشبه أن يكون عصيدة ، وقد كانت هذه العصيدة من الأطعمة المحببة لدى ابن بطوطة أثناء إقامته بالهند، وربما صنعوا من الشاماخ الخبز أيضا.
ومن الحبوب (الماش Phoseolus max) الذي وصفه بأنه نوع من الجلبان، ويباع اليوم على نحو ما يباع الحمص المقلي ببعض البلاد.
ومن الملاحظ أن (الماش) يقدم إلى اليوم في بعض جهات العراق، وخاصة منها الجهات الآهلة بالشيعة، وقد كنت أسمع من بعض الزملاء أن تناوله كعشاء مما يساعد على الاستمتاع بأحلام لذيذة! وقد جرب فصح على نحو ما تردده الأقوال السائرة في المنطقة.
ومن الحبوب المنج (Mung de Clusuis) الذي يشبه الماش، إلا أن حبوبه مستطيلة ولونه صافي الخضرة، وهم يطبخونه بالأرز ممزوجا بالسمن، ويعرف باسم (كشري Kichiry)، الذي يتناولونه يوميا على نحو الحريرة بالبلاد المغربية، وربما كان القصد إلى (الكُشَرِي) الذي يتناوله إخواننا في مصر، وخاصة في بالأحياء الشعبية على مقربة مـن الأزهر، وينطقون بـه (بضـم الكاف وفتح الشين)، ومنها اللوبيا والموت، (بضم الميم)، وهي الكودرو، إلا أن حبوبه أصغـر وهو من علف الدواب على نحو ما يفعلونه بالحمص الذي يقدمونه كذلك لدوابهم في بعض الأحيان.
ويعطي ابن بطوطة بعد هذا معلومات عن زراعة القمح والشعير والعدس والأرز الذي يزرع ثلاث مرات في العام، وكذا عن السمسم وقصب السكر، ويختم هذا الفصل بوصف أرض الهند بأنها طيبة التربة.
- القواسم المشتركة بين المطبخ المغربي والعالمي ( سطور من كتاب الهواري الحسين )
ما معنى Revisitée التي ينادي بها البعض ، هل يمكننا تغيير المفاهيم التي لا نعرف أصولها ؟
- تصنيف الذوق والتذوق لتحديد أصل التفاية Tfaya ، مستحثات ما قبل التاريخ ، الانتقال من الطب الى المطبخ او شكل من - الغريب - Étrange ( مناظرة فاس )
- دور المثاقفة acculturation في شيوع وانتقال الوصفات ، ( التفاية ) من المغرب إلى البلقان مرورا بالرومان و العودة ثم الاستقرار في المغرب , عبور نكهة الطعام الحلو من وإلى الذوق المغربي ثم استساغته أو ( تشكل طعم المالح / الحلو في المطبخ المغربي ) نجد نقطة الوصل عند ابيكيوس Apicius و المطبخ الروماني عموما الذي كان سباقا في استعمال الفواكه و العسل في الطبيخ و كثير من الفاكهة بالاخص العنب المجفف ( الزبيب ) و التين و الإجاص والمشمش ونحوهم وكذلك العسل لتمرير ذوق الغاروم Garum القوي النفاذ لاحقا استعمله أو نسخه الإنجليز لتليين ذوق الكاري ليصبح الشاتني chutney أو المخفف ( وقد أشار إليه ابن بطوطة في رحلته إلى الهند قبل وصول الإنجليز بزمن طويل ) ، أشار مؤلفو كتب الطهي والطعام القدماء إلى الغريب والفريد و الهجين و الغير متجانس في إشارات واضحة إلى هذه الأنواع من الأطعمة التي تتركب من مضادات متنافرة .
- بداية نعترف بان المثاقفة ( او التمازج الثقافي في حوض المتوسط ) لعبت دورا مهما ، فإذا كان العلماء العرب ترجموا الكثير من المؤلفات الرومانية سواء أبقراط و جالينوس فمما لا شك في أنهم اطلعوا على مؤلفات الطهي السائدة في تلك العصور و أعني هنا الكتب الأبيقورية و روادها من فلاسفة المتعة الخالصة فلا يمكن تصور أن كل مدارس الترجمة العربية التي أبهرت العالم في كل العلوم من الطب و الصيدلة و الهندسة و الفلك و في انواع عديدة من الفنون لم تعبأ بمؤلفات ابيكيوس الذائع الصيت في زمانه وبعد زمانه إلا إذا كان في الأمر التباس ما حول الإسم أو اندثرت الترجمات مع توالي الزمن ، لكن الملفت هو التأثير الروماني على النمط الأندلسي و ليس الوندالي كما يجب ان يكون عليه منطق الأشياء .
عن طريق الخطأ شاعت كلمة تفاية في الأندلس كما في المشرق العربي ( لا سيما في بغداد و دمشق عاصمة الخلافة العباسية و الأموية ) مع أن الكلمة كانت لها مدلولات أخرى سواء لغويا او تطبيقيا. فإذا كان الأندلسيون تأثروا بالمنهج الروماني عبر الاحتكاك بالثقافة الأصلية لسكان شبه الجزيرة الأيبيرية أو ما تبقى من مستعمرة رومانية / ويندالية vandale ( باعتبار الأندلس كما هو معروف كانت ميدان صراع حضاري قبل أن تتحول إلى ميدان حوار حضاري ، بداية من الحروب البونيقية التي دارت بين عتاة تلك العصور ، الفينيقيين و ورثتهم القرطاجيين و الرومان و الوندال و هذا الخليط تولدت عنه ثقافة خاصة ورثها العرب بعد ذلك وأعادوا صياغتها و دمجها مع ثقافتهم المشرقية مما يعطي لونا جديدا ومفاهيم لم تكن معروفة بل سيعطي نمطا خاصا هو ما انتقل جزء منه بعد ذلك إلى المغرب و ليس كله و هنا أشير إلى هذه النقطة المهمة أن الثقافة الأندلسية لم تنتقل كلها إلى المغرب بل جزء بسيط منها فقط ( و هذا ما ساشرح لاحقا ) ، نعم التعريف المغربي ( التفاية ) وهي بالمناسبة وصفة مغربية عريقة انحصر تحضيرها واستهلاكها في المغرب دون غيره من بلدان العالم عكس ( التفايات ) الأخرى التي تحمل نفس الإسم بينما تختلف في المعنى و الشكل ( نلاحظ أن الكلمة العربية لا تعني الوصفة بتاتا بل تشير إلى الموقد أحيانا وإلى القدر أو الإناء في تفسيرات كثيرة و حتى انها استعملت قديما في لغات شرقية و نجدها حتى في اللغة الأمازيغية بنفس المعنى كذلك ولا حاجة هنا لسرد المعاني والاشتقاقات اللغوية فهي كثيرة ) و حسب دراسة قمت بها حول المطبخ المغربي - و هي في طور التحضير - وجدت ان التفاية المغربية كانت في بداية تداولها مقترنتا بالطب و الصيدلة فهناك إشارات إليها عند ابن البيطار و أب سينا و غيرهم من الحكماء القدامى و لقد تربعت لزمن طويل على قاءمة الوصفات الطبية و قد استنفدت دورها في الصيدلة بعد انهيار الأندلس و بداية عصر النهضة الثاني و اجهض عليها تجار فلورنسا باذخالهم عناصر استواءية من جزر الهند و بورنيو إلى أوروبا ، كان تحضيرها في عصور التطبيب و التداوي بالأعشاب يتزامن بين شعوب عدة و لا استبعد انها كانت نجمة الوصفات في القرون الأولى بعد الميلاد وأن كلمة ( تفاية ) هي كلمة حديثة مقارنة بتاريخ الوصفة ، و الحقيقة ان الأذواق تغيرت و تجددت بعد ذلك او لنقل أخذت تصنيفها في سلم الترتيب وحدها البوهيمية Bohemian لم تنخرط في هذا السلم ( و كلمة بوهيمية كانت تطلق في عصر النهضة على البلدان الغير متحضرة و استبدلت لاحقا بعد الاستعمار بكلمة exotique او ما يمكن تفسيره بالغراءبية exotisme او العشوائية ، بينما الكلمة تفاية في الشرق العربي ( سواء في العصر العباسي و الأموي حيث تداولت الكلمة العربية تدل على الحجر وليس دلالة على الطعام لكن ليس نفس الطعام الذي نعرفه اليوم بل للإشارة إلى طبق من اللحم محضر بشكل خاص ، عند انتقال الكلمة إلى الأندلس ستأخذ شكلا مغايرا عن المألوف ( و هي خاصية أندلسية مزجت الشكلين الشرقي والغربي لما تميزت به الحضارة الأندلسية من رقي في الذوق و في باقي العلوم الطبية والصيدلية و هذا كان بداية فرز الطبق - وقد وجدت عدة إشارات في المطبخ الأندلسي سواء في الطعام و الصيدلة تنحى هذا المنحى لكنها لا تشير إلى مصدر الطبق لأسباب مجهولة ، و معروف في التاريخ الأندلسي دور الأمازيغ المغاربة كما هي معروفة الأحداث الجسام التي حدثت أثناء ثورة قرطبة ثم في الزهراء لاحقا عصر بني عامر مما جعل مؤرخي ذلك الزمن يتنكرون لهم و يتالبون عليهم ، فإذا كان الأندلسيون عن قصد أو عن غير قصد نسبوا هذا الطبق للصقالبة ( ما سيتحول لاحقا إلى بوهيمية في الثقافة الغربية ) وهو ليس كذلك ، الأدلة المتوافرة عندي للذوق المقارن لا تشير إلى انتشار المزاوجة في الأذواق المتنافرة عند سكان حوض البلقان و القرم و حوض البحر الأسود أي في أرمينيا الكبرى فكيف نسب المؤرخون الأندلسيون هذا الطبق لغير أصحابه مع الأخذ بالاعتبار أن الطبق لم يدخل إلى الحضارة الساسانية ( لاحقا ورثها الفارسيه ) و الهيلينية ( ورثها لاحقا الذوق الرسمي الإغريقي و الروماني ) و التي أثرت في الأذواق الأوروبية . يتبع …. . بقلم : الهواري الحسين
ما معنى Revisitée التي ينادي بها البعض ، هل يمكننا تغيير المفاهيم التي لا نعرف أصولها ؟
- تصنيف الذوق والتذوق لتحديد أصل التفاية Tfaya ، مستحثات ما قبل التاريخ ، الانتقال من الطب الى المطبخ او شكل من - الغريب - Étrange ( مناظرة فاس )
- دور المثاقفة acculturation في شيوع وانتقال الوصفات ، ( التفاية ) من المغرب إلى البلقان مرورا بالرومان و العودة ثم الاستقرار في المغرب , عبور نكهة الطعام الحلو من وإلى الذوق المغربي ثم استساغته أو ( تشكل طعم المالح / الحلو في المطبخ المغربي ) نجد نقطة الوصل عند ابيكيوس Apicius و المطبخ الروماني عموما الذي كان سباقا في استعمال الفواكه و العسل في الطبيخ و كثير من الفاكهة بالاخص العنب المجفف ( الزبيب ) و التين و الإجاص والمشمش ونحوهم وكذلك العسل لتمرير ذوق الغاروم Garum القوي النفاذ لاحقا استعمله أو نسخه الإنجليز لتليين ذوق الكاري ليصبح الشاتني chutney أو المخفف ( وقد أشار إليه ابن بطوطة في رحلته إلى الهند قبل وصول الإنجليز بزمن طويل ) ، أشار مؤلفو كتب الطهي والطعام القدماء إلى الغريب والفريد و الهجين و الغير متجانس في إشارات واضحة إلى هذه الأنواع من الأطعمة التي تتركب من مضادات متنافرة .
- بداية نعترف بان المثاقفة ( او التمازج الثقافي في حوض المتوسط ) لعبت دورا مهما ، فإذا كان العلماء العرب ترجموا الكثير من المؤلفات الرومانية سواء أبقراط و جالينوس فمما لا شك في أنهم اطلعوا على مؤلفات الطهي السائدة في تلك العصور و أعني هنا الكتب الأبيقورية و روادها من فلاسفة المتعة الخالصة فلا يمكن تصور أن كل مدارس الترجمة العربية التي أبهرت العالم في كل العلوم من الطب و الصيدلة و الهندسة و الفلك و في انواع عديدة من الفنون لم تعبأ بمؤلفات ابيكيوس الذائع الصيت في زمانه وبعد زمانه إلا إذا كان في الأمر التباس ما حول الإسم أو اندثرت الترجمات مع توالي الزمن ، لكن الملفت هو التأثير الروماني على النمط الأندلسي و ليس الوندالي كما يجب ان يكون عليه منطق الأشياء .
عن طريق الخطأ شاعت كلمة تفاية في الأندلس كما في المشرق العربي ( لا سيما في بغداد و دمشق عاصمة الخلافة العباسية و الأموية ) مع أن الكلمة كانت لها مدلولات أخرى سواء لغويا او تطبيقيا. فإذا كان الأندلسيون تأثروا بالمنهج الروماني عبر الاحتكاك بالثقافة الأصلية لسكان شبه الجزيرة الأيبيرية أو ما تبقى من مستعمرة رومانية / ويندالية vandale ( باعتبار الأندلس كما هو معروف كانت ميدان صراع حضاري قبل أن تتحول إلى ميدان حوار حضاري ، بداية من الحروب البونيقية التي دارت بين عتاة تلك العصور ، الفينيقيين و ورثتهم القرطاجيين و الرومان و الوندال و هذا الخليط تولدت عنه ثقافة خاصة ورثها العرب بعد ذلك وأعادوا صياغتها و دمجها مع ثقافتهم المشرقية مما يعطي لونا جديدا ومفاهيم لم تكن معروفة بل سيعطي نمطا خاصا هو ما انتقل جزء منه بعد ذلك إلى المغرب و ليس كله و هنا أشير إلى هذه النقطة المهمة أن الثقافة الأندلسية لم تنتقل كلها إلى المغرب بل جزء بسيط منها فقط ( و هذا ما ساشرح لاحقا ) ، نعم التعريف المغربي ( التفاية ) وهي بالمناسبة وصفة مغربية عريقة انحصر تحضيرها واستهلاكها في المغرب دون غيره من بلدان العالم عكس ( التفايات ) الأخرى التي تحمل نفس الإسم بينما تختلف في المعنى و الشكل ( نلاحظ أن الكلمة العربية لا تعني الوصفة بتاتا بل تشير إلى الموقد أحيانا وإلى القدر أو الإناء في تفسيرات كثيرة و حتى انها استعملت قديما في لغات شرقية و نجدها حتى في اللغة الأمازيغية بنفس المعنى كذلك ولا حاجة هنا لسرد المعاني والاشتقاقات اللغوية فهي كثيرة ) و حسب دراسة قمت بها حول المطبخ المغربي - و هي في طور التحضير - وجدت ان التفاية المغربية كانت في بداية تداولها مقترنتا بالطب و الصيدلة فهناك إشارات إليها عند ابن البيطار و أب سينا و غيرهم من الحكماء القدامى و لقد تربعت لزمن طويل على قاءمة الوصفات الطبية و قد استنفدت دورها في الصيدلة بعد انهيار الأندلس و بداية عصر النهضة الثاني و اجهض عليها تجار فلورنسا باذخالهم عناصر استواءية من جزر الهند و بورنيو إلى أوروبا ، كان تحضيرها في عصور التطبيب و التداوي بالأعشاب يتزامن بين شعوب عدة و لا استبعد انها كانت نجمة الوصفات في القرون الأولى بعد الميلاد وأن كلمة ( تفاية ) هي كلمة حديثة مقارنة بتاريخ الوصفة ، و الحقيقة ان الأذواق تغيرت و تجددت بعد ذلك او لنقل أخذت تصنيفها في سلم الترتيب وحدها البوهيمية Bohemian لم تنخرط في هذا السلم ( و كلمة بوهيمية كانت تطلق في عصر النهضة على البلدان الغير متحضرة و استبدلت لاحقا بعد الاستعمار بكلمة exotique او ما يمكن تفسيره بالغراءبية exotisme او العشوائية ، بينما الكلمة تفاية في الشرق العربي ( سواء في العصر العباسي و الأموي حيث تداولت الكلمة العربية تدل على الحجر وليس دلالة على الطعام لكن ليس نفس الطعام الذي نعرفه اليوم بل للإشارة إلى طبق من اللحم محضر بشكل خاص ، عند انتقال الكلمة إلى الأندلس ستأخذ شكلا مغايرا عن المألوف ( و هي خاصية أندلسية مزجت الشكلين الشرقي والغربي لما تميزت به الحضارة الأندلسية من رقي في الذوق و في باقي العلوم الطبية والصيدلية و هذا كان بداية فرز الطبق - وقد وجدت عدة إشارات في المطبخ الأندلسي سواء في الطعام و الصيدلة تنحى هذا المنحى لكنها لا تشير إلى مصدر الطبق لأسباب مجهولة ، و معروف في التاريخ الأندلسي دور الأمازيغ المغاربة كما هي معروفة الأحداث الجسام التي حدثت أثناء ثورة قرطبة ثم في الزهراء لاحقا عصر بني عامر مما جعل مؤرخي ذلك الزمن يتنكرون لهم و يتالبون عليهم ، فإذا كان الأندلسيون عن قصد أو عن غير قصد نسبوا هذا الطبق للصقالبة ( ما سيتحول لاحقا إلى بوهيمية في الثقافة الغربية ) وهو ليس كذلك ، الأدلة المتوافرة عندي للذوق المقارن لا تشير إلى انتشار المزاوجة في الأذواق المتنافرة عند سكان حوض البلقان و القرم و حوض البحر الأسود أي في أرمينيا الكبرى فكيف نسب المؤرخون الأندلسيون هذا الطبق لغير أصحابه مع الأخذ بالاعتبار أن الطبق لم يدخل إلى الحضارة الساسانية ( لاحقا ورثها الفارسيه ) و الهيلينية ( ورثها لاحقا الذوق الرسمي الإغريقي و الروماني ) و التي أثرت في الأذواق الأوروبية . يتبع …. . بقلم : الهواري الحسين
Inscription à :
Articles (Atom)