mercredi 8 août 2018

اسماس : تاريخ المطبخ المغربي 1

تتمة : 1  الاسماس كطعام سياسي/عسكري غلف بالتقديس . 2 الاسماس من الموحدين حتى الحماية الفرنسية . 3 الفرق بين الاسماس المغربي /  المصمودي و الجزائري / الندرومي  عبر تحديد زمن الإعداد و التحضير .
   - كما أشرت في الجزء الأول من هذه الدراسة  ( يمكن الرجوع إليها على هذه الصفحة ، و هي تحت عنوان  : رسالة إلى أساتذة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية  ، الاسماس نهاية الجدل  )
فإن توظيف الطعام والشراب في ما هو غير غذاء بدني و إعطائه دلالة روحانية جرى به العرف كما أن  تغليف المادي بالروحي و المعنوي  هو ليس جديدا ففي التاريخ القديم نجد أمثلة كثيرة على ذلك    و لا سيما في مجال الطعام الذي هو مادة بحثنا  ففي  مأدبة أفلاطون و غيره من الفلاسفة سنجد نقاشات حول تقديس الطعام والشراب والدواء قد نجد ذلك عند بلوتارك  في مناقشة الأكل والشرب  و عند الفيلسوف الروماني  اثيني Athènes  في  مأدبة المتصوفين  Sophistes  كما نجدها عند الكلبيين  cyniques في  فلسفة  المتعة و الإستماع  و في القرون الوسطى نجد نفس الوصف تقريبا في  مؤلفات اللاهوت و قساوسة الكنيسة و عند اخوان الصفا و ابن طفيل في حي بن يقضان ،  اي ان الطعام والشراب  يستحدث و يعاد توظيفه في ما هو  ديني و أكثر من ذلك في ما هو سياسي ، و كما ذكرت سابقا فإن ابن تومرت و جماعتة  المتأثرين  بالدين سيستعملون نفس الخطاب و سيلجؤون لنفس  الخطوات أكانت عبر التأثير الغربي أو الإسلامي  و قد ذكرت ضمن مجموعة المراجع التي اعتمدتها  ( السيرة النبوية الشريفة  عبر صحيح البخاري في ما يتعلق بالتأثير الإسلامي في تكوين شخصية المهدي بن تومرت و عبد المومن بن علي  الكَومي و جماعتهم كما ساعتمد على مراجع غربية لتحديد التأثير على الجماعة في شق آخر من الجماعة و هي الفرقة الأندلسية داخل المنظومة ) فهم  كجماعة تأثروا و ناقشوا و دبروا حتى توصلوا إلى إجماع في كثير من الميادين و الأمور  و منها توحيد شعار طعام الجماعة fétiche  لمخالفة طعام جماعة معادية و مخالفة لهم لم يعودوا يعترفون بها بعد أن قرروا الانقلاب عليها و تكفيرها  .     إن طعام البركة كطعام مقدس عند  المرابطين  كان هو  الكسكس ( الطعام كما ينطق في الدارجة t'am  ) و الذي لاقى إقبالا كبيرا و شيوعا في العصر المرابطي  في الزوايا و المرابط  و الأضرحة ( من كتاب  الرحالة مارمول لأفريقيا )  و امتدت تقدسيه بعيدا في الأقاليم و  الأقطار  حتى ادغال أفريقيا  و جنوب الصحراء مالي و تمبكتو ( مركز دعوة المؤسس عبد الله بن ياسين و جماعتة )  و ما وراء نهر السنغال حيث مهد الدولة و منها  انطلقت دعوة المرابطين لينتشر لاحقا في الشرق و الغرب من حوض النيل حتى جبال الالب  .
  في تعريف الاسماس كطعام مقدس يمكن الرجوع إلى الجزء الأول لكي لا نكرر نفس الكلام .
 زمن الإعداد و التحضير  سيحدد لنا  اختلاف الشكلين  المغربي و الجزائري  بالنسبة لشمال أفريقيا  قبل الانتقال إلى الأشكال الأخرى  سواء في البلاد الإسلامية  و غيرها في البلاد الأوروبية .
  تحضير الاسماس في المغرب قد يتطلب ما بين عشرة  حتى اثنى عشرة ساعة بينما الجزائري  فقد لا يتعدى تحضيره من  خمسة إلى ستة ساعات ،  فلما نقرأ  نص  البيدق  ( فحضر لهم  بنفسه  الاسماس و رش عليه الملح بيده و لم يأكل منه بل قرص جزءا  وألقاه في فمه  )  [[ و هذا ما سنقارنه مع نفس الوصف في جملة عند البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم  ]]  في  الجملة  ( و أومأ بيده .. و قرص منه وألقاه في فمه )  ان  فارق الزمن في تحضير الشكلين من طعام الاسماس  سيحدد لنا نوعية كل منهما من جهة ( المغربي و  الجزائري ) أي هل  الاسماس الذي اكلته الجماعة يومها  و حضره امامها ابن تومرت هو مصمودي  ( امازيغي مغربي ) ام ندرومي جزائري  تبعا لأن خليفة المهدي بن تومرت و بعض مرافقيه هم  من الجزائر  . و لنوضح ذلك عبر ترتيب الزمن  و نسأل  هل أمضى  المهدي في تحضير الاسماس عشرة ساعات ام  خمسة ساعات  ؟  نعرف أن الجماعة انتقلت إلى تينمل في الأطلس  للنقاش و تحديد المهام  لترتيب تكتيكات المرحلة الحاسمة و والتخطيط للهجوم  و مناورات ما قبل الانقضاض على المرابطين   و نعرف أن الاسماس ذكره البيدق  كقسم و قيمة مقدسة و عهد بين أعضاء الجماعة فيما بينهم و بين الجماعة و القائد في زمن الحرب في نص ابو بكر البيدق  ( .. هذا عهد الله بيني وبينكم  )  عبر  رمز رش  الملح  تيسنت رمز التضامن و التضحية و  التحالف و التعاهد     ( هنا  أشير إلى عدة دراسات انجزها أساتذة مغاربة و أوروبيين في  قدسية الملح / تيسنت  و يمكن الرجوع إليها ) .
 كما نشير إلى الاستفادة الفرنسية من هذا الطعام لما سنعالج  دور قوات  السبايسي و الصبايحي  (جمع الصباحية ) و الزواوي  و هي الفرق التي أنشأها الجيش الفرنسي في مستعمرات شمال أفريقيا  ....

...... يتبع بقلم الهواري الحسين Hossin Houari

 حاولت في هذا الجزء الا أطيل  لأن بعض القراء نبهوني إلى أن طول المقالة يعجزهم عن المتابعة


اسماس : دراسة الجزء الثاني

رسالة إلى أساتذة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية
 - نهاية الجدل في تعريف الاسماس  ( و الاسماسن ) كطعام مقدس حسب البيدق في : أخبار المهدي بن تومرت و في  (المقتبس من كتاب الأنساب في معرفة الأصحاب تحقيق عبد الوهاب بن منصور )
 مقارنات و مقاربات مع نصوص  [ صحيح البخاري والسيرة النبوية ]  و دراسات الاستاذ علي أمهان و الاستاذ حسن رشيق  و
Jacques Berque ( histoire du Maroc )

 -  تعريف : الاسماس طعام مستحدث و ليس مقدس
   في اللغة الأمازيغية السوسية مصطلحات كثيرة تستعمل  للإشارة إلى التضامن الاجتماعي و التضحية و هي منظومة متكاملة من الأدوات و الإشارات  التي تنظم المجتمع و تعمل دور  آليات تنظيمية لتسهيل انضباط الفرد داخل المجتمع و تراتبيته ، و بما انها مصطلحات عديدة يصعب حصرها في صفحات و ذكرها في عجالة من حيث كمها و دلالاتها ان المعنوية  و الروحية الغالبة عليها وضعت كاشارات  ذات  طابع نافذ و كنواميس موروثة و موشومة في الذاكرة الجماعية لسكان مناطق عدة من المغرب  .
 سأكتفي هنا بقراءة متسرعة لموضوع يا  ما أثار من الجدل و الجدال و خاض فيه باحثون و مفكرون و قدمت حوله أطروحات و دراسات دون الوقوف على ماهيته و لا تمكنت من تعريفه و  مؤخرا  قرأت عن أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في جامعة السربون الباريسية  تتناول هذا الموضوع دون التوفيق فيه  مع العلم  ان باحثين سابقين تناولوا الموضوع دون ان يفلحوا فيه كذلك   و هم كثيرون و ان كان علي ذكر أسمائهم  فستاخذ حجما من الدراسة ومع ذلك سأكتفي بذكر بعضهم كالأستاذ الكبير عبد الوهاب بن منصور مؤرخ المملكة  و الاستاذ  جاك بيرك  صاحب المؤلف المعروف عن تاريخ المغرب و  الاستاذ حسن رشيق  المعروف بمؤلفاته الأمازيغية و الاستاذ علي أمهان   و غيرهم  من الأستاذة و المؤلفين الكبار  .
إن مقالتي هذه هي مجرد مشاركة و توضيح توصلت إليه بعد دراسة طويلة امتدت لعشرات السنين  و ليست نقدا أو تحليلا لكتابات هؤلاء الأساتذة الأجلاء أو  نقصا من مجهوداتهم  المحمودة التي قدموها لوطنهم و للثقافة والعلوم في المغرب .
وقد قدم الأستاذ عبد الوهاب بن منصور، مؤرخ المملكة، تأويلين مختلفين لهذا الطعام  في تحقيقه لكتاب البيذق:
أولهما: أنه السويق الذي يلث بالسمن أو الزبد وتأكله الجماعة، حيث يقول: ”أسماس: باللغة’’البربرية’’السوسية سويق يلث بالسمن أو الزبد تأكله الجماعة
ثانيهما: أنه نوع من الطعام يقدم في الولائم أو هو الوليمة نفسها ، وقد أورد هذه الدلالة حين تعرض لشرح السليف ، قائلا: ”السليف: كتب بعض القراء بهامش النسخة الأصلية أنه أسماس الذي تقدم شرحه، والظاهر أنه نوع من الطعام يقدم في الولائم أو هو الوليمة نفسها“  و حسب أحد الدارسين فيبدو أن الأستاذ بنمنصور قد التبست عليه دلالات كل من أسماس و أمسّاس . ف أمسّاس هو عبارة عن كسكس غليض الحبات يلثّ بالسمن أو الزبد بدون ملح؛ وما أورده كدلالة ل السليف هو ما يعنيه مفهوم أسماس .
فالبيدق نفسه الذي أورد المفهوم، يتحدث عن أكل أسماس وعن علاقة أسماس بالتحالفات الجديدة إثر انتصارات جديدة، وعن ارتباط أسماس بأعطيات البركة من قبل الإمام المهدي أوالخليفة عبد المومن الكَومي، وعن ارتباط أسماس أيضا بميثاق التعاهد والتضامن والتآخي؛ بحيث استعمل التعابير التالية:
1- ”تم عمل آسْماسْ وعمل الملح بيده، وقال هنا عهد الله وعهد الرسول بيننا وبينكم على الكتاب والسنة، فلما صنع الطعام(...) أومأ بيده نحو ذراع كبش و قرص منه وألقاه في فمه(...)، ثم قال كلوا كما يأكل النبيون“
  تعتمد دراستي على الناحية الغذائية فقط  وللوصول إلى جوهر  المبتغى من قول  البيدق  كان و لابد من الإلمام بكل النواحي المحيطة  بالمسألة  سواء  العسكرية والسياسية و الدينية للمهدي بن تومرت و خليفته  و الجماعة المحيطة به من مريدين و اتباع  لاسيما في رحلته الحجازية التي ستشكل موضوعا  لاحقا لنقاشات طويلة في ذلك الزمن و  لازالت مستمرة حتى الآن في جامعات  و محافل دولية  لاستقراء شخصية كارزمية  كشخصية المهدي بن تومرت الذي كان سببا في أحداث حصلت في العالم كمفكر و داعية و فقيه و مؤسس لحركة  و منظر لامبراطورية  الموحدين التي ستمتد على مساحات شاسعة من أفريقيا و أوروبا ،  ان تقديس الطعام في زمنه كان سلاحا فعالا لعب دورا في ضبط الجماعة كما لاحظ أغلب الدارسين للموضوع لكن الطريقة التي قدم وسيق بها الاسماس هي التي لم تفهم  لهم وبالرجوع إلى رحلة المهدي  و نقاشاته مع علماء الدين و جهابدته في المشرق العربي بالخصوص  ( لا سيما مع الإمام الغزالي و اتباعه و هذا ما ينكر البعض حصوله) على كل الاحوال فإن نقاشات  و  جدال في الذين و السلطة حصل سواء في العراق والشام و مصر و تونس و الجزائر و كل الأمكنة التي زارها و حل بها  ودرس فيها و يمكن تتبعها في كتاب تلميذه و مرافقه مؤرخ الدولة الموحدية لاحقا  البيدق الصنهاجي  في مؤلفه أخبار المهدي  كما في مؤلفات أخرى  لأن بعد عودته من هذه الرحلة التاريخية ستتغير حياته و معها حياة اتباعه و محيطه  . فيا ترى ما الذي اكتشفه في رحلته و ما هي القناعات و القيمة المضافة من هذا السفر الطويل و التجوال  التي  أضيفت إلى شخصيته  ؟
 - كيف  تحول الأسماس من طعام عادي إلى مقدس ؟  . لنتفق على أن هذه الوجبة من الطعام  لا يوجد لها أي ذكر  بتاتا  إلا عند البيدق  فقد ذكرت في اخبار المهدي ثم اختفت من المؤلفات إلى الأبد  لم تذكر قبل ابو بكر  البيدق و لا بعده  كأنما اريد لها أن تكون لغزا  و هذا ما حصل فعلا فقد سارت لغزا محيرا  للدارسين  منذ  ذلك العصر حتى اليوم  و المحير في الأمر  أنها أخذت شكلا طقوسيا  و معنويا  و كهنوتيا  اضفاه أسلوب البيدق العجيب في الوصف  للترهيبِ أكثر منه لإقناع الاتباع  و الأعداء  ( المرابطين بالأخص )  من مغبة الغدر والخيانة في زمن الإعداد للانقضاض و الإنقلاب على سلطة  الدولة و على المرابطين .  و نجد نفس الوصف تقريبا عند كتاب السيرة النبوية  و بالأخص  في صحيح البخاري و  غيره و لا  أشك في أن  المهدي بن تومرت درس و تأثر بهذه المؤلفات فقد كان عالما جليلا و فقيها و أكثر من ذلك كان ذكيا و داهية  وهذا  ماساعده على تبليغ دعوته و نشر حركته  ، سنلاحظ أثناء قراءة أخبار المهدي  ذلك  و محاولات  مستمرة منه للتشبه و تلقيد أئمة الاسلام و الصحابة   و ما ذكره و وصف الاسماس  بطعام الأنبياء  (  كلوا كما يأكل النبيون ) و رش عليه الملح بيده و لم يأكل منه  ( ما هو إلا تقليد معروف في السيرة النبوية  سأعود لذكره لاحقا )
  يذكر  ابو بكر  البيدق هذا الطعام عدة مرات  في مؤلفه  خمس مرات تقريبا و قد يكون الناسخ هو من أضاف ذلك لأمر ما  و كلما ذكر اسمه كان في وضع تقديس كقربان أو كطعام خرافي يتزامن مع أحداث عظيمة و مصيرية  فقد ذكره كذلك كطعام عزاء  عند أحفاد بن علي الكَومي و هو أحد مؤسسي الدولة الموحدية الأساسيين  .
أشير هنا إلى ملاحظة هامة قد توضح لنا المعنى  فلا استبعد محاولة الموحدين في   التخلص من كل ما هو مرابطي و لو  باستعمال العامل الاثني و القبلي  فالمرابطين هم  صنهاجيون بينما الموحدين هم مصامدة  و موقعهم و قاعدتهم في تينمل مركز مصمودة في الأطلس الصغير  و هذا سيجرنا إلى  موضوع آخر معروف و ممقوت  كون  ابن علي الكَومي و بعض مرافقيه ابن صاحب الصلاة و الونشريسي  هم من ندرومة  من أعمال تلمسان  و البيدق صنهاجي و يمثل المصامدة في هذا التحالف قبيلة هنتاتة و ورغة ، فهذه البدعة الموحدية كانت تروم مخاطبة التجمع القبلي  ، و سواء كانت بدعة أو إبداع لو نظرنا إليها من وجهة  الخلق و التغيير  فإنها لن تقارن مع أنواع الكسكس التي كانت تيمة المرابطين  و احد مقومات البركة الروحية و الروحانية في  مرابطهم و زواياهم التي انتشرت في شمال أفريقيا و امتدت حتى الصحراء و بلاد السودان ما وراء نهر السنغال  و أقيمت فيها مجالس الطلبة و النساك و المتصوفة  مما  يؤكد على أن الموحدين ضاقوا درعا بهذا التمدد و الإقبال على مرابط و زوايا المرابطين  فاستنسخوا  أو لنقل  ابتدعوا  لهم  نوعا  جديدا من الطعام المقدس أكثر تقدما و ملاءمة للعصر الجديد  و اني اعتبر أن فشل هذا  الطعام رغم ما خسر فيه من جهد و بروباغاندا  مرده لأسباب عديدة  هي صفات معابة  في تركيبه و تحضيره ساذكرها عند تقديم شكل الوجبة ثم انهم كانوا يريدون بذلك احداث قطيعة مع كل ما هو مرابطي بإطلاق أشكال جديدة من البدع في عدة مجالات و منها طرق العيش  .
   وصف طعام الاسماس عند البيدق  : فالبيدق نفسه الذي أورد المفهوم لم يذكر له وصفة و لا طريقة تحضير  مما خلق الكثير من التكهنات و التاويلات الخاطئة ، فهو  يتحدث عن أكلة  أسماس وعن علاقة أسماس بالتحالفات الجديدة إثر انتصارات جديدة، وعن ارتباط أسماس بأعطيات البركة من قبل الإمام المهدي أوالخليفة عبد المومن الكَومي، وعن ارتباط أسماس أيضا بميثاق التعاهد والتضامن والتآخي؛ بحيث استعمل التعابير التالية:
1- ”تم عمل  آسْماسْ وعمل الملح بيده، وقال هنا عهد الله وعهد الرسول بيننا وبينكم على الكتاب والسنة، فلما صنع الطعام(...) أومأ بيده نحو ذراع كبش و قرص منه وألقاه في فمه(...)، ثم قال كلوا كما يأكل النبيون“
2- ”وقسم الخليفة رضي الله عنه  الغنائم (...) وأكلنا أسماس في المهدية متاع ابن مليح، تم رحلنا إلى أغبالو متاع بني يزناسن، وهرب أهله وامتنعوا أن يوحدوا، فرحلنا منها إلى ندروما بلاد كَومية فوحّدوا، فرحلنا إلىتاجرا فميزنا فيها“.
3- ”وفرح بهم الخليفة ، وأعطى للناس البركة، وعمل لهم السليف وعفا عن بني ييغز وأعطاهم البركة
4- ثم مرض الخليفة وكان الأمير عمر وزيره، فوجه إلى أخيه يوسف إلى إشبيلية، وبايعه الناس، وأكلوا آسماس وأعطا البركة للناس“
ومن خلال مختلف المعطيات السابقة نلاحظ أن أسماس هو عبارة عن وليمة تعاهد وبالتالي فهو آلية من آليات التحالف المتصلة، ب الطعام الطقوسي ( الذي أشار إليه الأستاذ حسن رشيق؛ وب تقاسم الطعام .
في تعريفه الآليات التي تشكل بعض أنماط التحالف في المجتمع المغربي يذكر الأستاذ في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية  حسين ايت باحسين ضمن المجموعة الكبرى لأنواع التحالفات مجموعة الطعام  ، تيسنت وتاكَالّيت وتاكَات و تيغرسي و أسماس و ؤضوض إلى جانب أنواع عديدة أخرى قد يطول ذكرها هنا  [[ تجدر الإشارة إلى أن كلا من تاكَالّيت ( (أي الحِلْف والقسم أو المناشدة والتوسل؛  ) و تاكَات  (أي اللعنة؛ ) و تيغرسي  (أي الدبيحة أو القربان , ) هي آليات تتداخل وتتقاطع ويستدعي بعضها البعض، لتدبير التوازنات الحلفية، بل إنها في غالب الأحيان تستخدم آليات أخرى، لم نتعرض لها في هذه الدراسة بشكل مستقل، هي: العار  أي الفضيحة والخزي ) و تاكّا  أي الهبة و الأعطية ، لكونها تخترق كل هذه الآليات وتُعتمد إلى جانبها في تدبير التحالفات. وسنلجأ إليها حين تستدعيها الآليات الأخرى.
1-” تيسنت “ :
“تيسنت“  لغويا هي: الملح. ويقصد به الأكل المتقاسم / الطعام المتقاسم؛ فحين يقال: “  نسكر تيسنت ” (أي تقاسمنا الملح) فالمقصود به تقاسمنا الطعام ودلالته السوسيولوجية هي أن الطعام الذي تم تقاسمه تترتب عليه التزامات ويستوجب محظورات على الطرفين أو الأطراف التي تقاسمته أن لا تُخِلَّ بالالتزامات التي تعاهدت عليها وأن تتجنب المحظورات التي يستوجبها. وهذا السياق الأنتروبولوجي للملح والطعام المشترك الذي يستوجب التزامات وتترتب عنه محظورات هو الذي وظفه كل من الإمام المهدي بن تومرت والخليفة عبد المومن بن علي الكَومي مؤسسي الدولة الموحدية باسم أسماس ، و لمعروف . فقد أورد البيدق خبرا مفاده أن قبيلة هرغة حاولت بعد موت المهدي بن تومرت أن تفسخ عهد التآخي الذي ألفه المهدي بينها وبين عبد المومن بعدم إشراكه في وليمة تَعاهُدٍ انفردوا بها ولم يستدعوه للمشاركة معهم. وفي هذا الأمر يقول: وقبيلته (يقصد الخليفة عبد المومن) التي آخى بينه وبينها الإمام المهدي رضي الله عنه في زامنه هرغة، وقد اتفقت قصة بعد موت الإمام المهدي رضي الله عنه عند هرغة فيما بينهم، فعملوا طعاما ولم يعرّفوا الخليفة بأن يعمل نصيبه معهم فبلغه الخبر فاستدعاهم فقال لهم باللسان الغربي(...) وهجرهم ثلاثة أيام ثم استدعاهم وأمر بنصيبه معهم ونهاهم أن يعودوا لمثلها .  وفي كتاب أخبار المهدي بن تومرت وابتداء دولة الموحدين ، أورد البيدق ما يؤكد على هذه العلاقة بين الملح و أسماس و عهد التآخي حين قال: تم عمل آسْماسْ وعمل الملح بيده، وقال هنا عهد الله وعهد الرسول بيننا وبينكم على الكتاب والسنة،... ]]
 فإن كانت هناك أطعمة غير الاسماس  في المغرب لها صبغة طقوسية فإن الاسماس تميز بينها كونه طعام السلاطين و الأمراء و الفقهاء  و النخبة  و قد يكون كذلك طعام الرعية و هذا ما لم تذكره كتب تلك الحقبة ( و هذا هو اللغز المحير ) فقد كانت كتب الطبيخ كثيرة في ذلك الزمن  سواء في المغرب و الأندلس و مصر و العراق و الشام  كتب الوراق البغدادي و ابن  العديم  الحلبي و الأمير ابراهيم بن المهدي و زرياب في الأندلس  بل إن عصر الموحدين بالأخص عرف كما هائلا من كتب الطبيخ و الأغذية و الطب و الصيدلة  و يمكن الرجوع إلى كتاب عيون الأنباء في طبقات الأطباء   لابن اصيبعة  للمقارنة  و في العصر الموحدي تطور فن الطهي و تقديم الطعام والشراب  والدواء و  نجاح ذلك يظهر في مؤلفات لازالت رائجة حتى اليوم  ككتاب الطبيخ في العدوتين المغرب و الأندلس  لمجهول و كتاب ابن رزين  التجيبي فضلات الخوان   و غيرهما و الغريب أن هذه الكتب لم تحتوي على أية وصفة أو إشارة لوجبة الاسماس رغم أنها الفت في الفترة نفسها كما لم تذكر في كتب الطبيخ العباسي و الأموي و الفاطمي و الأيوبي و الطولوني  و الحقب  المتزامنة مع الحقبة  الموحدية  . فهل كان الاسماس  خاصية امازيغية  أو هو مجرد  طعام نخبة أو دائرة مغلقة كطعام طوطمي يأكل في جو  روحاني و له طقوس خاصة ( بمعنىculte  و clan )  لا هذا ولا ذاك  فقد توصلت إلى معرفة حقيقة هذا الطعام و هذه الوجبة بالخصوص بفضل الله و بفضل  التوغل في البحث و التقصي  و قد لزمني في ذلك صبر و جهد كبير و بالطبع دراسة طويلة لتفكيك  النصوص و استقراءها  و انا مستعد لتقديم هذه الدراسة لمعهدكم الموقر إذا طلب مني ذلك  لنشر المعرفة و المشاركة في تنوير الباحثين لاسيما  الشباب الذين ما فتؤو يراسلونني للسؤال  عن مواضيع تاريخية في المطبخ المغربي و العالمي عموما  واني على يقين بأن هذا البحث سيفيد كثيرا من الباحثين و الدارسين في مجالات مختلفة غير الأغذية و الطعام لما له من شمولية في مواضيع أخرى انتربولوجية و  تاريخية و  سوسيولوجية و كل دراسة ذات صلة و قاسم مشترك .
حسب تحليل الأستاذ حسن رشيق فإن كلمة  الاسماس بالمعنى الاتمولوجي  مشتقة  من
أسماس (ئسماسن) و لغويا هو: الفرن، يصهر فيه الصانع المعادن“. ومن بين دلالات "أسماس": "الموقد"؛ إلا أن الأستاذ حسن رشيق يؤكد على أنه ينبغي التمييز بين "أسماس" كموقد طقوسي وبين "تاكات"  كموقد منزلي عادي.  - و انا لا اتفق مع هذا الطرح  كما لا اتفق مع طروحات أخرى قدمها بعض الباحثين للتعريف بوجبة  بالاسماس سواء  القدماء أو المحدثين  فعندي  قراءة جديدة و شاملة في هذا الموضوع  و بالأخص في تعريف الاسماس كطعام  عادي اريد له أن يقدس في غياب أطعمة غيره أو كطعام مرحلي  معاكس موسوم بالطابع الموحدي  لاطعمة مرابطية أو مرتبطة بالمرابطين  ( كمنافسين و مناوءين أو كطعام بديل مضاد للنمط المرابطي اي  للملثمين كما كان ينعثهم اتباع الموحدين و يالبون الناس عليهم )  و لعمري فإن هذه المقاربة و الصيغة الموحدية لم تنجح في ما اريد لها  بدليل ان الوصفة و الوجبة بالخصوص اندثرت و لم يبق لها أثر في الواقع و لا تمكنت من الاستمرار في المطبخ المغربي  مع العلم انها لاتزال حاضرة و سارية  تحت مسميات أخرى  و هذا ما ساشرحه لاحقا في هذه الدراسة و  لمعهدكم الموقر  فسح مجال لي لنشر هذه الدراسة كاملة ، لاعتبار أن الاسماس كوجبة مغربية أصيلة و تراثية ماتزال متداولة في المطبخ المغربي و منتشرة بقوة باشكال متنوعة من أجل السمو بتقاليدنا العريقة و حفظ تراثنا من الاندثار و الاتلاف و النسيان  و قد لاحظت ان الموحدين عملوا على اختراع هذا الطعام عمدا ليكون خاصيتهم و طابعهم اي دمغة حقبتهم فلم يتوفقوا في ذلك رغم إصرارهم المستميت مستخدمين عدة طرق لإقناع الاتباع و العامة في ذلك و باتخاذه طعام البركة و طعام التقديس و هذا لاقى فشلا دريعا في حينه لأسباب ساذكرها   ، فإن كانت هذه الطبخة مستمرة في التداول حتى اليوم فإنها  قد فقدت  قدسيتها و بركتها و صارت ككل طعام  طبيعي و عادي ضمن باقي الوصفات الكثيرة و الشهيرة التي يزخر بها المطبخ المغربي الأصيل و الرائد دون ان ننسى دورها التاريخي  كالية لتنظيم الدولة الموحدية ، علق عليها أمل كبير  سرعان ما تداركه أولي الأمر فحدفت و لاحقا فقدت و هذا ما ساشرحه بالتفصيل  .
  تجدر الإشارة إلى أن أول إشارة تاريخية مكتوبة بصدد هذه الآلية، وردت في العصر الموحدي، وارتبطت بالتحالفات التي كان الموحدون يقيمون على أساسها دولتهم، بحيث ذكرها البيذق أكثر من مرة في كتاب أخبار المهدي.
ولازالت هذه الآلية سارية المفعول في المجتمع المغربي. فالبعودة إلى أطروحة الأستاذ علي أمَهان، نجده يخصص فصلا خاصا بالأطعمة حيث يبرز كيف أن الأطعمة لا زالت تحتفظ بقِيَمها الثقافية والرمزية، وأن تقاسم الطعام يعتبر من بين الوسائل الناجعة
 للحفاظ على التحام الجماعة.
و يضيف البيدق كذلك :
ثم مرض الخليفة وكان الأمير عمر وزيره، فوجه إلى أخيه يوسف إلى إشبيلية، وبايعه الناس، وأكلوا آسماس وأعطا البركة للناس“
من خلال مختلف المعطيات السابقة نلاحظ أن أسماس هو عبارة عن وليمة تعاهد وبالتالي فهو آلية من آليات التحالف المتصلة، ب الطعام الطقوسي  الذي أشار إليه الأستاذ حسن رشيق؛ وب تقاسم الطعام  الذي أشار إليه الأستاذ علي أمهان، وب المعروف الذي نريد أن نفرده بدراسة خاصة لكونه لازال يزاول في مختلف المناطق المغربية وفي فضاءات متنوعة وبأشكال جد متباينة، ومصاحب لطقوس جد غنية من حيث الدلالات الثقافية والرمزية؛ هذا الطقس الذي درسه الأستاذ حسن رشيق ، وأشار إليه الأستاذ علي أمهان ، وجاك بيرك وباسكون وغيرهم كثيرون .......
يتبع ...  ترقبوا بقية الدراسة في التعريف بالاسماس  و معناه و دلالته الصحيحة و تاريخه الحقيقي  في مقالات لاحقة.. بقلم الحسين الهواري  Hossin Houari
 * في غياب وسائل الإعلام و التواصل الاجتماعي كما هو الحال اليوم  و انعدام الأدوات التكنولوجية الحديثة لجأ الإنسان قديما إلى توضيف استغلال كل ما هو متوفر  حوله للتواصل أكان هذا الشيء ماديا أو معنويا  ، لتبليغ رسائله و تثبيت سلطته .

* - أبو بكر بن علي الصنهاجي المكنى بالبيذق:
مؤرخ دولة الموحدين
* كتاب :  المقتبس من كتاب الأنساب في معرفة الأصحاب تحقيق عبد الوهاب بن منصور