mercredi 7 mars 2018

زرياب و اختراعاته في الطبيخ ( هل هي مجرد اسطورة مزيفة ؟؟ ) وهل يجب إعادة قراءة تاريخ الطبي . تاريخ المطبخ المغربي ، أبحاث جديدة تثير تساؤلات و استغرابات و حتى اعتراضات حول سيرة هذا الفنان العبقري الذي طبع عصره و العصور اللاحقة حول ما نسب إليه  . مقالة بقلم الهواري الحسين    , Ziryab  la fin d'un Mythe  . يؤكد اليوم بعض المتخصصين ان ما نسب إلى زرياب في فنون العيش Gastronomie  لا يعدو كونه إشاعات و أساطير بعيدة عن الحقيقة و كونها مجرد بروباغندا Propaganda ألفها بعض أتباعه و كثير من أعدائه  لأهداف عدة في ذلك العصر الأندلسي الغابر ، ما يهمنا ليس ما ابتدعه زرياب في الموسيقى و ما أثاره من استحسان ومن جدل كذلك و ما طبع به عصره من نمط الحياة المترفة و الراقية في قصور غرناطة و أمرائها و نبلائها و طبقاتها المترفة في النعيم  ، ما يهمنا هو ما نسب اليه من اختراعات أطباق غذائية نحس اليوم كمغاربة أنها لا تنصف مطبخنا العريق ، ينسبون له البسطيلة و المروزية و الشباكية و الزلابية  ( الزريابية  و الفداوش و كل ما هو طيب ولذيذ في المطبخ المغربي الأصيل ، اصلا هو عراقي المولد هرب من بغداد في عصر العباسيين و مر من عدة دول مغاربية و شمال إفريقية  و بزغ نجمه في قصور الأمويين في الأندلس و سيرته طويلة سأل فيها مداد غزير لدرجة لم يعد بدا من تصديقها و الأخذ ببعضها حتى لقد صارت عند بعض الباحثين هي المرجع الموثوق لتاريخ المطبخ  المغربي ، ابتداء من  شهاب الدين المقري  مؤرخ بني مرين صاحب نفح الطيب و سلوة  الأنفاس  و الذي عاش في فاس و مراكش و روج  كثيرا أسطورة زرياب لا سيما بعد استقراره  في الشام و مصر ، واخرهم الباحث و الكاتب و المؤرخ اللبناني فاروق  مردم بك في كتبه عن زرياب و مقالاته في صحيفة معهد العالم العربي  و آخرون أسسوا جائزة زرياب لكتب الطبخ  . انا اتساءل ببساطة ،كيف يمكن لشخص منفرد ( و ليس لجماعة او نظام ) أتى لتوه هاربا من صحراء الجزيرة العربية وجوارها حيث شظف العيش وشح الغذاء - باستثناء بغداد العباسية - ان يغير نمط عيش أوروبا في زمن وجيز ؟؟ بل سيغير كل البروتوكولات و يحدث ثورة عالمية لم يسبقه إليه أحد حتى من العباسيين في ميدان المطعمة كابن سيار و ابن الوراق البغدادي و الأمير إبراهيم بن المهدي صاحب كتب الطبيخ العباسي سنقارن بين  أنواع الطعام في ذلك العصر سواء في شبه الجزيرة العربية و العصر العباسي و ما كان متداولا في الأندلس وأوروبا الملكية في زمن زرياب ، فكثير مما ذكر عن زرياب لا يتماشى مع حقيقة ما كان في ذلك الزمن الغابر ، لكن لمعرفة الأسباب يجب إعادة قراءة هذا التاريخ و سير أصحابه .
زرياب (789 - 857) (173 - 243 هـ) هو أبو الحسن علي بن نافع، موسيقي ومطرب عذب الصوت من بلاد الرافدين من العصر العباسي (عاصر الخليفة المهدي). كانت له إسهامات كبيرة وبارزة في الموسيقى العربية والشرقية. لُقِّب بـزرياب لعذوبة صوته ولون بشرته القاتم الداكن ، وهو اسم طائر أسود اللون عذب الصوت يعرف بالشحرور. ولد زرياب عام 789(173 هـ) في الموصل ونشأ في بغداد وكان تلميذا لإسحق الموصلي بصورة سرية إلى أن أتقن فن الغناء على يده، وفي ذات يوم طلب الخليفة هارون الرشيد من إسحق الموصلي أن يأتي معه بمغن جديد يجيد الغناء، فأحضر إسحق زرياب فاستأذن من الخليفة بأن يغني فأذن له .
إلى أن أكمل نوبته، فطار الرشيد فرحا وتعجب منه كثيرا وطلب من أستاذه إسحق أن يعتز به، إلا أن إسحاق داخله الحسد والحقد فهدد زرياب وخيره اما ان يخرج من بغداد أو أن يغتاله، فرجح زرياب الخروج من بغداد فخرج وتوجه إلى بلاد الشام ثم إلى شمال إفريقيا وأقام ردحاً من الزمن في بلاط بني الأغلب في القيروان إلى أن قرر التوجه إلى الأندلس. فكتب إلى أمير قرطبة أبو العاص الحكم بن هشام الأموي، المعروف بالحكم الربضي، يعرض عليه خدماته، فوافق الأمير على الفور. وحين وصل زرياب إلى الأندلس كان الحكم بن هشام قد توفى ووجد خليفتهم عبد الرحمن الثاني، وبعد أن دخل بلاط الخليفة وأصبح من حاشيته غنى بحضرته وما أن سمعه الخليفة حتى شغف به وقربه إليه وأصبح نديمه ومن أقرب الناس إليه. عرض عليه الخليفة قصراً وراتباً شهرياً قدره مائتا دينار، وتقول بعض المصادر أنه قدم له كل هذه الأعطيات وأعطيات أخرى حتى قبل أن يسمعه يغني. وسرعان ما غدا زرياب شخصاً معروفا في قصر الخليفة ثم اشتهر في الأندلس وتمركز بها وقد لقب زرياب بالقرطبي إذ بدأ نشاطه في مدينة قرطبة فأسس دار المدنيات للغناء وللموسيقى يضم أبناءه الثمانية وابنتيه إضافة إلى عدد آخر من المغنين وتعتبر هذه أول مدرسة أسست لتعليم علم الموسيقى والغناء وأساليبها وقواعدها. وكتب تاريخ الأندلس تعطي من صفحاتها مساحات كبيرة للرجل الأسطورة زرياب وتنسب إليه أنه ارتقى بالذوق العام في الأندلس.. دون الرجال والنساء.. ووصفوه بأنه الرجل الأنيق في كلامه وطعامه. وكيف كان يلفت الأنظار إلى طريقته في الكلام والجلوس إلى المائدة أيضا. وكيف يأكل على مهل ويمضغ ويتحدث ويشرب بأناقة. وكان يكره مثل هذه الكلمات: يحب الشراب، ويلتهم الطعام، ويحشر اللحم والأرز في جانب من الفم، وكان يضع على مائدته الكثير من المناديل، هذه لليدين وهذا للشفتين وهذا للجبهة وهذا للعنق، وهو أول من لفت أنظار النساء إلى أن مناديل المرأة يجب أن تكون مختلفة اللون والحجم وأن تكون معطرة أيضا.
أدخل زرياب إلى أوروبا وجبات الطعام الثلاثية الأطباق: تبدأ بالحساء (الشوربة)، ثم يتبعها الطبق الرئيسي، أما من اللحم، أو السمك، أو الطيور، ثم تختتم بالفواكه والمكسرات، وكان له ذوقه الخاص في تنسيق الموائد وتنظيمها واتخاذ الأكواب من الزجاج الرقيق بدلا من المعادن، واصطناع الأصص للأزهار من الذهب والفضة. وقد استحسن الناس ذوقه حتى في الأطعمة، فدلهم على صنوف محببة منها لم تكن الأندلس تدري شيئا عنها كالنوع المسمى على حد تعبيرهم (النقايا) وهو مصطنع بماء الكزبرى محلى بالسنبوسق (نوع من المعجنات المحشوة باللوز والفستق والسكر (يشبه القطائف). وهو أول من أدخل إلى المطعم الإسباني طعام (الهليون) وهي بقلة لم يكن أهل الأندلس يعرفونها قبله، وقد سموها بلسانهم (الاسفراج). ومن تلك الأطعمة ما صار إلى آخر أيام أهل الأندلس منسوباً إليه، معروفاً به. وإلى الآن ينسب نوع من الحلوى إليه في الشرق يسمونه (زلابيه) وهو تحريف عن (زريابيه). وقد اشتهر عنه إقامة الولائم الفخمة وتنسيقها وترتيبها وكان ذلك كله النواة الأولى في فخامة قصور ملوك الأندلس وبيوت الأغنياء وأناقتهم. وفي الزي والتصميم تخير زرياب البساطة والتناسق والرشاقة، وادخل الشطرنج إلى الأندلس ومنها إلى أوروبا، و(الشاه مات) بالعربية ما زالت مستخدمة في أوروبا والعالم إلى اليوم.  
ولنقارن مع ما كان سائدا وقتها في شبه الجزيرة العربية حيث لم يتعد الغذاء مشتقات القمح و لحم الابل،
آداب المائدة العربية كما هي حتى مع مرور الزمان واختلاف الأرض والمكان، إلاّ أن الترف الحضاري والاختلاط بالأقوام والأعراق الأخرى ألبس مثل هذه الآداب والمواجيب لباس "البروتوكولات" الحديثة، ففي الأندلس ظهر المصدر ورجل البلاط "زرياب" الذي وفدَ من حضارة "بغداد" في القرن الثالث إلى الأندلس فسما نجمه وذاع صيته، وأصبح رجل البلاط الأول في قرطبة، لا سيما بعد أن سَنّ للأمراء هناك أنظمةً وطقوساً في آداب الأكل وتقديم الموائد، بل لقد تجاوز ذلك كُلّه، حيث سعى إلى تصميم أزياء الأمراء والوزراء ورجال الحاشية وجعل لكل طبقة من طبقات المجتمع لباساً خاصاً بها، بل إنه رتّب (200 دينار) إلى امتيازاته العديدة وجلب معه من بغداد - التي كان سابق الذكر فيها - جملةً من آداب السلوك المهذّبة في فن الطبخ وتقديم الطعام، ومن ذلك كان يقول: "ينبغي أن تبدأ الوجبات بالحساء، يتبعها الطبق الرئيس من السمك أو اللحم أو الطيور، وتختتم بالفواكه والمكسرات"، ولذا كان ل"زرياب" أسبقية أوروبية في سن "برتوكولات" المائدة وتأطير وتحديد نُظم المائدة السلطانية، حتى أنه نشر فكرة الطاولة المغطاة، كما استبدل الأقداح المعدنية الثقيلة بأقداح البلّور، وجدد وظيفة أدوات الطعام، بل والطهاة والمشرفين على المائدة القائمين على خدمة الضيوف، وهو ما تطور حالياً إلى علم قائم بفئة مستقل بتعاليمه وآدابه تحت مسميات عديدة ك"بروتوكولات" الموائد ومراسم الطعام أو "الإتيكيت" الذي يعني السلوك الراقي والذوق المتحضر في حسن فن التعامل مع الأطروحات والتي سنها وعمل بها الامبراطور الفرنسي "لويس الرابع عشر" قبل ما يقارب من (300) ع
لعل كتاب الطبخ الأندلسي الذي عثر عليه الباحثون وترجمة "تشارلز بيري" عن مؤلفه المجهول يعتبر إحدى الكتب الفريدة التي وضعت وصنفت للتعريف بالمائدة الأندلسية، كما أن ثمة قصائد وأشعار لجملة من الشعراء العباسيين يصف الواحد منهم كيف يتم إعداد أكلات ك"السبونبك" و"اللوزينج" و"الزلابية" و"الكنافة" و"القطائف" بالشرح الدقيق والمُفصّل، وسبق عرض بعض القصائد في موضوع سابق، لاسيما وصف "إبن الرومي" لبعض هذه الأكلات، ومقامات "بديع الزمان الهمذاني" في وصف بعضها وطرق تقديمها، وهذا بالطبع بعيد عن مائدة "الحجاج بن يوسف" الذي أكل الناس من مائدته فلما قُدمت الحلوى ترك "الحجاج" الناس يأكلون منها لقمة ثم قال: "من أكل من هذه الحلوى قطعت عنقه فأمسك الجميع عنها إلاّ أعرابياً نظر إلى الحجاج ثم استمر في أكله وهو يقول للحجاج أوصيك بأولادي خيراً حتى استغرق الحجاج في الضحك".وكان طعام الأجداد - لا سيما في وسط وشمال الجزيرة العربية - لا تتجاوز خمسة أصناف هي القمح والبر واللبن واللحم والتمر، وقس على ذلك موائدهم التي لا تخرج عن مشتقات هذه الأصناف عدا ما تنبته الأرض من خيراتها، فالجريش والمرقوق والقرصان والحنيني والقشد والمطازيز والقفر "القديد"، كلها من هذه الأصناف الخمسة، وقد تجدها تتكرر في جنوب الجزيرة العربية بمسميات أخرى يستثنى منها لحم الإبل الذي يستبدل في بعض المناطق بلحم الشاة بأنواعها، ويزيد عليها العسل الذي تشتهر به المناطق الجنوبية، لتتكرر الأكلات ذاتها بمسميات مختلفة كالعبيلة والعريكة والعصيد والسمن بالعسل، وهي أيضاً غير بعيدة بأصنافها الخمسة عن تلك المائدة "الحساوية" التي تستبدل لحم الإبل بالسمك مع بقاء فرصة التواجد للحوم التي يُعد منها الهريس والمكبوس. .... يتبع ، بقلم الهواري الحسين  par Hossin Houari