dimanche 2 août 2020

لهذه الأسباب صمد المطبخ المغربي و انتشر في بلدان العالم

مقالتي اليوم على جريدة " المساء "  اقرأ 
- لهذه الأسباب صمد المطبخ المغربي و انتشر في بلدان العالم
عند الحديث عن الإبتكار في النمط الغذائي  ، لابد من الاشارة اولا الى ان المطبخ المغربي يتركب من عدة  مطابخ غير متجانسة إطلاقا ، يحاول المغاربة حاليا  تجميعها و تصميمها ككتلة متجانسة عبر طبعها بذوق  خاص و من تم تعميمها و هذا يلاحظ عند كثير من الطباخين الشباب في محاولة  لإعطاء المطبخ المغربي مفهوما موحدا ( للتقارب)  عن طريق وضعه لقوانين علمية وتقنيات  معاصرة  في محاولة لتطعيمه  وتعشيقه بوصفات جديدة من مطابخ أخرى أغلبها أوروبية و متوسطة و آسيوية  وذلك  بإخضاعها للذوق المغربي ، و هذا ما حصل للمطبخ المغربي في أزمنة سابقة و جعله خليط غير متوافق او بلغة مجازية ( متنوع الاذواق و لا متجانس مثلا الحلو / الحامض  )   و مع كونه في  الأصل يحمل متضادات  غير متوافقة في السلم  ( سلم ابن رشد و غيره من الأطباء العرب و اليونان ) ، خليط  يتشكل من وصفات بسيطة و أخرى جد معقدة فالأولى جبلية و صحراوية يغلب عليها طابع البداوة والثانية مدنية يغلب عليها طابع الصنعة والمهارة  أو التركيب composées / complexes  ( وصفات منمقة تتركب في غالبها من عدة وصفات ) و كانت  قد تأثرت  بعدة ثقافات  تبعا للشعوب الكثيرة و الحضارات  التي استوطنت هذه الأرض السعيدة و تركت بصماتها وتأثيرها القوي تارة او الوضيع تارة اخرى و لا غرابة انه بمرور الأجيال و الأعوام الطويلة انصهر هذا الخليط و شكل في خاتمة المطاف شكلا صار ما هو عليه اليوم . وككل  الثقافات الأخرى فهو يخضع لإشكاليات وجدليات التاريخ  ، و لا غرو أن يعالج كأي  ثقافة غيره بتمعن و دراية . و سواء خضع لعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا او كثقافة تراثية  غذائية محضة بعيدا عن التحليلات العلمية او العقيمة فسنرى  ان تكوينه  و بعدها تركيبه  و تشكيله استمر لآلاف السنين و تداولت فيه عدة تشكيلات و تنويعات  و تطورات وحتى انتكاسات  مع الزمن حسب احوال كل حقبة سواء قوتها او ضعفها و حسب سخاء  الأرض و بوارها ، الأرض لعبت دورها في المطابخ المغربية و الثقافة الغذائية عموما تتحول وتتأرجح بين الرخاء  والنماء و الجدب و الكفاف و الحاجة    من اليسر إلى العسر بين ازدهار عصور و انحطاط أخرى   في مد وجزر تبعا للظروف  و الأحكام و الأحداث ،  فقد تأثر بكل ما حصل وتنوع تبعا للواقع المعاش في كل لحظة تاريخية و هذا ان دل على شيء فإنما يدل على أن هذه الثقافة كانت حية دائما تتعايش  مع الواقع المعاش و تنتقل من جيل إلى جيل و تتقدم و تضمحل حسب رقي وانحطاط تلك الشعوب القديمة حتى تشكل  اكلات لسنوات الجفاف و الكفاف و أخرى لأعوام الخير و الخيرات ، ثم ما مدى تأثير الوعي و الرقي عند تلك الشعوب و درجات ثقافتها و مجدها عامل آخر مهم  فهذا بدوره شكل  نظرية ثقافية للغذاء سيما في المدن  المتحضرة  و شكل طرازا لطبقة النبلاء و أرضية و نوعية معينة  متينة لنمط غذائي سائد و يشمل عدة وصفات  لا زالت مستمرة  بشكل  إثني او ديني او طقسي ، نلاحظ ان  الثقافة الغذائية في المغرب  تعتمد على غذاء الجمع أي أنها ثقافة الجموع و الجماعة  و ليست ثقافة  الأفراد بمعنى انها عائلية و أسرية  و لا تتجزأ  كما هو حال ثقافة شعوب أخرى و نذكر على سبيل المثال لا الحصر  الثقافة الغذاءية الرومانية ( و قد ذكرت الرومانية لأسباب سأعود لها لاحقا لما شاكلته الثقافة الرومانية في المطبخ المغربي ) لكني سأكتفي هنا بإعادة نشر جزء سابق عن الكسكس و المطبخ المغربي  و مامدى قوته و الإقناع   الذي  قوبل به لتتقبله ثقافات شعوب اخرى و تحتضنه  و تمارسه  و لاحقا ساتناول تتمنى هذا الموضوع  ، الكسكس  كدليل  على ذلك
لماذا فشل الكسكس المغربي في  الشرق العربي ؟
بينما نجح في الوصول إلى  باقي بلدان المعمور  ، (  فصل من كتاب:  تاريخ المطبخ المغربي  الحسين الهواري )
لولا الإصرار والصمود  المغربي  لاندثر و محي  المطبخ المغربي كثقافة غذائية من التاريخ  مثل ما حصل لثقافات أصيلة في بلدان  أخرى  سوء حظها أنها سقطت تحت الغزو   و الاحتلال   .
اول ظهور للكسكس  في الشرق  كان في كتاب كمال الدين بن العديم ( و ليس ابن النديم المعروف ( وابن العديم  هو المؤرخ و قاضي حلب  في العصر الأيوبي  1192 / 1262  عمر ابن أحمد بن هبة الله  بن أبي جرادة )  رحل من حلب إلى دمشق و فلسطين و العراق و الحجاز  و مات بالقاهرة   ، في كتابه الشهير الوصلة  ( الوصلة الى الحبيب  في وصف الطيبات و الطيب )  ( بينما  يرجعه بعض الباحثين لابن الجزار المصري )  توجد نسخة   منه  في طوب كابي  باسطنبول ،  و فيه وصفة  وحيدة خاصة بالكسكس  ، و كتاب  الرحالة و الفقيه المغربي  العياشي ( رحلة العياشي المعروفة بـ ماء الموائد )   وفيه إشارة إلى  صنع الكسكس في غزة بفلسطين بيد العلامة  الفقيه مؤرخ السعديين  و قاضي فاس  الشيخ  المقري ،
في العصر الفاطمي ( العبيدي )  و العصر المملوكي الأيوبي كان الكسكس شائع في بلاد المشرق العربي كان الكسكس يحضر في عدة بلدان شرقية من القاهرة حتى  دمشق و حلب و في غزة والقدس ثم ما لبث ان اندثر  و انحصر في بعض المناطق الصحراوية  النائية  من مصر  و لا تزال بقايا من وصفاته في صحراء  سيوه آخر محطاته التاريخية   على الحدود الليبية المصرية بعد ان كان  من الأطباق المرغوب فيها في الشرق فلماذا  انحصر بعد تمدده ؟
 انحساره كان في العصر العثماني .   
يجب ان نقرأ التاريخ بطريقة محايدة و بعيدا عن العاطفة  لان في التاريخ  أسئلة غامضة  و لكونها  أساسية  و تتعلق بتراثنا  و بقائه  وديمومته ؟  والسؤال الكبير الذي  يجب ان نطرحه. هو  لماذا استمر المطبخ المغربي وتطور   بينما اندثر و اضمحل في بلدان أخرى قريبة  وبعيدة  ، هذا سؤال جوهري و سؤال فارق  يجب ان يطرحه المغاربة  و  العلماء و الباحثين  ، و لكننا   سنكتفي بطرح. سؤال داخل  هذا الموضوع  ما دام السؤال الكبير تستلزمه  مائدة  كبيرة ،

نحن لا نقول بأن المطبخ المغربي هو الأفضل و الأحسن  في  البلاد العربية  لا .. نحن نقر بأن لكل شعب ذوقه الخاص وطريقة عيشه المفضلة  والخاصة به و نحن نحترمها   ، اننا فقط نركز هنا على  تفرد المطبخ المغربي  مقارنة ببلدان أخرى تتشابه اغذيتها و تستنسخ  بل تكاد تكون هي نفسها في عدة بلدان و أن تغيرت مسمياتها
بقلم الحسين الهواري Houari Hossin