- كما أشرت في الجزء الأول من هذه الدراسة ( يمكن الرجوع إليها على هذه الصفحة ، و هي تحت عنوان : رسالة إلى أساتذة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ، الاسماس نهاية الجدل )
فإن توظيف الطعام والشراب في ما هو غير غذاء بدني و إعطائه دلالة روحانية جرى به العرف كما أن تغليف المادي بالروحي و المعنوي هو ليس جديدا ففي التاريخ القديم نجد أمثلة كثيرة على ذلك و لا سيما في مجال الطعام الذي هو مادة بحثنا ففي مأدبة أفلاطون و غيره من الفلاسفة سنجد نقاشات حول تقديس الطعام والشراب والدواء قد نجد ذلك عند بلوتارك في مناقشة الأكل والشرب و عند الفيلسوف الروماني اثيني Athènes في مأدبة المتصوفين Sophistes كما نجدها عند الكلبيين cyniques في فلسفة المتعة و الإستماع و في القرون الوسطى نجد نفس الوصف تقريبا في مؤلفات اللاهوت و قساوسة الكنيسة و عند اخوان الصفا و ابن طفيل في حي بن يقضان ، اي ان الطعام والشراب يستحدث و يعاد توظيفه في ما هو ديني و أكثر من ذلك في ما هو سياسي ، و كما ذكرت سابقا فإن ابن تومرت و جماعتة المتأثرين بالدين سيستعملون نفس الخطاب و سيلجؤون لنفس الخطوات أكانت عبر التأثير الغربي أو الإسلامي و قد ذكرت ضمن مجموعة المراجع التي اعتمدتها ( السيرة النبوية الشريفة عبر صحيح البخاري في ما يتعلق بالتأثير الإسلامي في تكوين شخصية المهدي بن تومرت و عبد المومن بن علي الكَومي و جماعتهم كما ساعتمد على مراجع غربية لتحديد التأثير على الجماعة في شق آخر من الجماعة و هي الفرقة الأندلسية داخل المنظومة ) فهم كجماعة تأثروا و ناقشوا و دبروا حتى توصلوا إلى إجماع في كثير من الميادين و الأمور و منها توحيد شعار طعام الجماعة fétiche لمخالفة طعام جماعة معادية و مخالفة لهم لم يعودوا يعترفون بها بعد أن قرروا الانقلاب عليها و تكفيرها . إن طعام البركة كطعام مقدس عند المرابطين كان هو الكسكس ( الطعام كما ينطق في الدارجة t'am ) و الذي لاقى إقبالا كبيرا و شيوعا في العصر المرابطي في الزوايا و المرابط و الأضرحة ( من كتاب الرحالة مارمول لأفريقيا ) و امتدت تقدسيه بعيدا في الأقاليم و الأقطار حتى ادغال أفريقيا و جنوب الصحراء مالي و تمبكتو ( مركز دعوة المؤسس عبد الله بن ياسين و جماعتة ) و ما وراء نهر السنغال حيث مهد الدولة و منها انطلقت دعوة المرابطين لينتشر لاحقا في الشرق و الغرب من حوض النيل حتى جبال الالب .
في تعريف الاسماس كطعام مقدس يمكن الرجوع إلى الجزء الأول لكي لا نكرر نفس الكلام .
زمن الإعداد و التحضير سيحدد لنا اختلاف الشكلين المغربي و الجزائري بالنسبة لشمال أفريقيا قبل الانتقال إلى الأشكال الأخرى سواء في البلاد الإسلامية و غيرها في البلاد الأوروبية .
تحضير الاسماس في المغرب قد يتطلب ما بين عشرة حتى اثنى عشرة ساعة بينما الجزائري فقد لا يتعدى تحضيره من خمسة إلى ستة ساعات ، فلما نقرأ نص البيدق ( فحضر لهم بنفسه الاسماس و رش عليه الملح بيده و لم يأكل منه بل قرص جزءا وألقاه في فمه ) [[ و هذا ما سنقارنه مع نفس الوصف في جملة عند البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم ]] في الجملة ( و أومأ بيده .. و قرص منه وألقاه في فمه ) ان فارق الزمن في تحضير الشكلين من طعام الاسماس سيحدد لنا نوعية كل منهما من جهة ( المغربي و الجزائري ) أي هل الاسماس الذي اكلته الجماعة يومها و حضره امامها ابن تومرت هو مصمودي ( امازيغي مغربي ) ام ندرومي جزائري تبعا لأن خليفة المهدي بن تومرت و بعض مرافقيه هم من الجزائر . و لنوضح ذلك عبر ترتيب الزمن و نسأل هل أمضى المهدي في تحضير الاسماس عشرة ساعات ام خمسة ساعات ؟ نعرف أن الجماعة انتقلت إلى تينمل في الأطلس للنقاش و تحديد المهام لترتيب تكتيكات المرحلة الحاسمة و والتخطيط للهجوم و مناورات ما قبل الانقضاض على المرابطين و نعرف أن الاسماس ذكره البيدق كقسم و قيمة مقدسة و عهد بين أعضاء الجماعة فيما بينهم و بين الجماعة و القائد في زمن الحرب في نص ابو بكر البيدق ( .. هذا عهد الله بيني وبينكم ) عبر رمز رش الملح تيسنت رمز التضامن و التضحية و التحالف و التعاهد ( هنا أشير إلى عدة دراسات انجزها أساتذة مغاربة و أوروبيين في قدسية الملح / تيسنت و يمكن الرجوع إليها ) .
كما نشير إلى الاستفادة الفرنسية من هذا الطعام لما سنعالج دور قوات السبايسي و الصبايحي (جمع الصباحية ) و الزواوي و هي الفرق التي أنشأها الجيش الفرنسي في مستعمرات شمال أفريقيا ....
...... يتبع بقلم الهواري الحسين Hossin Houari
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire